وقوله تعالى: ﴿فَقَدْ فَازَ﴾. الفَوْزُ؛ معناه: الظَّفَرُ بالخير، والنجاةُ من الشَّرِّ (١). ألا ترى أن الله -تعالى- حَكَمَ بالفوز لِمَن أُبْعِدَ مِنَ النار، فَنَجَا مِنْ شَرِّها، وأدْخِلَ الجَنَّةَ، فَظَفِرَ بنعيمها؟.
قال الزّجاج (٢): يقال لِكُلِّ مَنْ نَجَا من هَلَكَةٍ، ولَقِيَ ما يَغْتَبِطُ به (٣): (فازَ). فتأويل (٤) ﴿فَازَ﴾: تَبَاعَدَ مِنَ المكروه، ولَقِيَ ما يُحِب.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ يريد: العيش في هذه الدار الفانية، تَغُرُّ الإنسان بما تُمَنِّيهِ مِنْ طولِ البقاء، وسينقطع عن قريب. فَوُصِفت بأنها متاعُ الغرُوُر؛ لأنها بمنزلة مَنْ يَغُرّ ببذل المحبوب، والتخييل [إليك] (٥) أنه يَدُوم.
و ﴿المَتَاع﴾ قد ذكرنا أنه كل ما يُنْتَفَع به، وُيسْتَمتَعُ (٦). وأضافَهُ إلى ﴿الْغُرُورِ﴾ لأنه يَغُرّ.
١٨٦ - قوله تعالى: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ﴾ الآية.
اللَّام، لام القَسَمِ. والنونُ دخلت مُؤَّكِدَةً. وضُمَّت الواوُ لِسُكُونها وسكون النون. ولم تكسر لالتقاء الساكنين؛ لأنها واو جمع، فحركت بما
(٢) في: "معاني القرآن" له ١/ ٤٩٥. نقله عنه بتصرف.
(٣) الغِبْطَة: حسن الحال، والنعمة والسرور؛ يقال: (فلانٌ مُغْتَبِطٌ)؛ أي: في غِبْطَةٍ. وجائز أن تقول: (مُغتَبَط) -بفتح الباء-، و (قد اغْتَبَطَ، فهو مُغْتَبِط)، و (اغْتُبط، فهو مغتَبَطٌ). انظر: "اللسان" ٦/ ٣٢٠٨ (غبط).
(٤) في (ج): (وتأويل)، وفي "معاني القرآن": فتأويله.
(٥) ما بين المعقوفين زيادة من (ج).
(٦) انظر: "تفسير البسيط" تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ [البقرة: ٣٦].