فلم حكي عنه بالتأكيد وهو منكر له ومن أنكر شيئا لم يؤكده؟ قال: والجواب أن هذا من باب الحكاية والمجازاه. كأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: لسوف تخرج بعد الموت حيا، فقال حاكيا ومعارضا لكلامه: ﴿أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا﴾ ولا يذهب مذهب التأكيد، وإنما يذهب مذهب الحكاية والمعارضة والمجازاة لكلامه، كما تقول العرب: رأيت زيدًا، فيقول السامع: من زيدا؟ وإذا قال: مررت بزيد، قال: من زيد؟ بالخفض أتبعوا آخر الكلام أوله على الحكاية والمجازاة) (١).
٦٧ - فقال الله تعالى مجيبا لذلك الكافر ﴿أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ﴾ أي: هذا الذي جحد البعث أو لا يتذكر أول خلقه فيستدل (٢) بالإبتداء على أن الإعادة مثله، وهو قوله: ﴿أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا﴾ أي: من قبل إنكاره البعث خلقناه ولم يكن شيئا، كذلك نعيده كما قال: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [يس: ٧٩] وقرئ: يذكر بالتشديد، والتخفيف (٣). والتشديد في هذا المعنى أكثر؛ لأنه يراد به التدبر والتفكر وليس ذكرا عن نسيان، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾ [فاطر: ٣٧]، وقال: {إِنَّمَا يَتذكَّرُ أُولُوا

(١) ذكر نحوه في "الكشاف" ٢/ ٤١٧، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٣١، "البحر المحيط" ٦/ ٢٠٧، "الدر المصون" ٧/ ٦١٧.
(٢) في نسخة (س): (فاستدل).
(٣) قرأ عاصم، نافع، وابن عامر: (أو لا يذْكر الإنسان) ساكنة الذال خفيفة.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: (أو لا يذَّكَّر الإنسان) بفتح الذال مشددة الكاف.
انظر: "السبعة" ص ٤١٠، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٠٤، "حجة القراءات" ص ٤٤٥، "التبصرة" ص ٢٥٦، "النشر" ٢/ ٣١٨.


الصفحة التالية
Icon