بعضها (١). وعلى هذا الاستثناء من المساكن، يعني: أن بعضها مسكون فيه. وهذا القول هو اختيار الفراء؛ قال: يقول: قليل منها سُكن، وأكثرها لم يسكن، وهي خَرِبَة (٢).
ورُدَّ عليه هذا بأن قيل: لو كان الاستثناء من المساكن، كان الوجه فيه الرفع، كقولك: القوم لم يُضرب إلا قليلٌ، ترفع إذا كان المضروب قليلاً، فإذا نصبت: كان القليل صفة للضرب أي: لم يُضرب إلا ضربًا قليلاً. وهذا معنى قول ابن عباس في هذه الآية؛ قال: لم يسكنها إلا المسافر، ومارُّ الطريق يومًا أو ساعة (٣). وعلى هذا التقدير: لم تسكن من بعدهم إلا سكونًا قليلاً. وهذا هو الصحيح معنًى ولفظًا؛ لأن منازل المهلَكين لم يعمر منها شيء، ولم تسكن بتة.
وقوله: ﴿وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ﴾ أي: لِما خَلَّفوا بعد هلاكهم (٤)، كقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ﴾ (٥) [مريم: ٤٠] وقد مر (٦).
٥٩ - قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى﴾ يعني القرى الكفرة أهلها ﴿حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا﴾ أكثر المفسرين على أن المراد بأمَّها:
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣٠٩.
(٣) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٥٠ أ. ونقل الرد على الفراء وقول ابن عباس: القرطبي ١٣/ ٣٠١.
(٤) "تفسير مقاتل" ٦٧ ب.
(٥) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٥٠ أ.
(٦) قال الواحدي في تفسير هذه الآية من سورة مريم. أي: نميت سكانها فنرثها ومن عليها؛ لأني أميتهم، وهذا كقوله: ﴿وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ﴾ [الحجر: ٢٣] وذكرنا الكلام فيه.