تفسير سورة المنافقون

بسم الله الرحمن الرحيم

١ - ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ﴾ يعني عبد الله بن أبي وأصحابه ﴿نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾ وتم الخبر عنهم، ثم ابتدأ فقال ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ﴾ أي أنه أرسلك فهو يعلم أنك رسوله، ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ (١).
قال الفراء: جعلهم كاذبين لأنهم أضمروا غير ما أظهروا (٢). يعني أنهم لما أضمروا خلاف ما شهدوا به سماهم كاذبين، فدل هذا على أن حقيقة الإيمان بالقلب وكذلك حقيقة كل كلام. ومن قال شيئًا واعتقد خلافه فهو كاذب، ألا ترى أنهم كانوا يقولون بألسنتهم ﴿نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾ وسماهم الله كاذبين، لأنه قلوبهم كانت تخالف ألسنتهم فيما يقولون. وقال قوم: لم يكذبهم الله في قوله: ﴿نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾ وإنما أكذبهم بغير هذا مما وجد منهم من الكذب الذي أخبر الله عنهم عنهم في قوله: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا﴾ [التوبة: ٧٤] الآية، وقوله: ﴿وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ﴾ (٣) والقول هو الأول.
(١) انظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ١٢.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٥٨.
(٣) من آية (٥٦) من سورة التوبة. وهذا هو رأي الزجاج حيث قال: (أكذبهم فيما تعتقده قلوبهم وفي أنهم يحلفون بالله إنهم لمنكم، ويحلفون بالله ما قالوا، ولقد قالوا كلمة الكفر). "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١٧٥. قلت: ولعل هذا هو الصواب لأن حمل الآية على العموم أولى، وشهادتهم تدخل ضمن هذا المعنى، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon