﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾؛ أي: مؤلم موجعٌ يخلص وجعه إلى قلوبهم، ونحو الآية قوله: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، وفي التعبير بالكافرين الذين هم اليهود هنا: (١) إيماءٌ إلى أنَّ ما صدر منهم من سوء الأدب في خطابه - ﷺ -، كُفْرٌ لا شكَّ فيه؛ لأنَّ من يصف النبيَّ - ﷺ -، بأنّه شريرٌ، فقد أنكر نبوّته، وأنه مُوحًى إليه من قبل ربّه، ومتى فعل ذلك فقد كفر واستحقَّ العذاب الأليم.
قال الأستاذ الإمام (٢): إنَّ هذا التأديب ليس خاصًّا بمن كان في عصره - ﷺ - من المؤمنين، بل يعم من جاء بعدهم أيضًا، فهذا كتاب الله الذي كان يتلوه عليهم، وكان يجب عليهم الاستماع له، والإنصات لتدبره، هو الذي يتلى علينا بعينه لم يذهب منه شيءٌ، وهو كلام الله الذي به كان الرسول رسولًا تجب طاعته، والاهتداء بهديه، فما هذا الأدب الذي يقابله به الأكثرون، إنهم يلغطون في مجلس القرآن، فلا يستمعون، ولا ينصتون، ومن أنصت، واستمع؛ فإنَّما ينصت طربًا بالصوت، واستلذاذًا بتوقيع نغمات القارئ، وإنّهم ليقولون في استحسان ذلك، واستجادته ما يقولون في مجلس الغناء، ويهتزُّون للتلاوة، ويصوِّتون بأصواتٍ مخصوصة، كما يفعلون عند سماع الغناء بلا فرق، ولا يلتفتون إلى شيءٍ من معانيه إلّا ما يرونه مدعاةً لسرورهم في مثل قصة يوسف عليه السلام، مع الغفلة عمَّا فيها من العبرة، وإعلاء شأن الفضيلة، ولا سيما العِفَّةُ والأمانة، أليس هذا أقربَ إلى الاستهانة بالقرآن، منه بالأدب اللائق الذي ترشد إليه هذه الآية الكريمة، وأمثالها؟ ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ ﴿أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾.
١٠٥ - ﴿مَا يَوَدُّ﴾ ويحبُّ ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وأنكروا بما جاء به محمدٌ - ﷺ - ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾؛ أي: من اليهود والنصارى، ككعب بن الأشرف ﴿وَلَا﴾ من

(١) المراغي.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon