﴿يَخْتَلِفُونَ﴾ فيه من أمر الدين، فيقسم لكل فريق منهم من العقاب ما يستحقُّه، ويليق به. وقال الحسن؛ أي: فالله يكذبهم جميعًا، ويدخلهم النار.
وقيل (١): معنى ﴿فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾؛ أي: بين الفرق المذكورة اليهود، والنصارى، ومشركي العرب، ومن أسلم وجهه لله وهو محسن، فيُدْخِل المحقَّ الجنة، والمبطل النار، وهذا المعنى الذي يقتضيه السياق؛ أي: فهو العليم بما عليه كُلُّ فريق من حقٍّ وباطل، فَيُحِقّ الحقَّ، ويجعل أهله في النعيم، ويبطل الباطل، ويُلْقيَ أهلَه في سواء الجحيم. وفِعْلُ الحُكْم يتعدَّى بجارّين، الباء، وفي، كما يقال: حكم الحاكم في هذه القضية بكذا، وفي الآية قد ذكر المحكوم فيه دون المحكوم به. واعلم أنَّ كُلَّ حزب بما لديهم فرحون، وليس ذلك في الفرق الضالة خاصَّةً.
١١٤ - ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ﴾ ﴿مَنْ﴾ للاستفهام الإنكاري المضَمَّن للنفي، مبتدأ، و ﴿أظلم﴾ خبره، أي: وأيُّ امرئٍ أشدُّ ظلمًا وتعدِّيًا على الله تعالى ﴿مِمَّنْ مَنَعَ﴾؛ أي: من امرئٍ منع ﴿مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾؟ والمراد بالمساجد: بيت المقدس، والمسجد الحرام، على الخلاف في سبب النزول، كما سيأتي، وصيغة الجمع؛ لكون حكم الآية عامًّا لكل من فعل ذلك في أيِّ مسجد كان، كما تقول: لمن آذى صالحًا واحدًا، ومن أظلم ممَّن آذى الصالحين؛ لأنّه لا عبرة بخصوص السبب، كما هو القاعدة في الأسباب، وقوله: ﴿أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ ثاني مفعولَي مَنَع، فإنَّه يقتضي ممنوعًا وممنوعًا عنه، فتارةً يتعدى إليهما بنفسه، كما في قَوْلِك: مَنَعْتُه الأمر، وتارة يتعدى إلى الأول بنفسه، وإلى الثاني بحرف الجرّ، وهو كلمة عن، أو من مذكورةً كانت كما في قولك: منعته من الأمر، أو محذوفةً، كما في الآية؛ أي: من أن يسبَّح ويقدَّس ويصلَّى له فيها ﴿وَسَعَى﴾؛ أي: عمل واجتهد ﴿فِي خَرَابِهَا﴾ بالهدم، والخراب: اسم مصدرٍ للتخريب، كالسلام للتسليم، وأصله: الثَّلْمُ والتفريقُ؛ أي: لا أحد من المانعين عن الخيرات أشدُّ ظلمًا وتعديًا على الله سبحانه ممن منع مساجد الله من أن يذكر فيها اسمه،