قوله تعالى: ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ روى البخاري عن سهل بن سعيد قال: أنزلت ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ﴾ ولم ينزل ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ وكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعد ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ فعلموا أنما يعني الليل والنهار.
قوله تعالى: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ..﴾ الآية، أخرج ابن جرير عن قتادة قال: كان الرجل إذا اعتكف، فخرج من المسجد: جامع إن شاء، فنزلت: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾.
التفسير وأوجه القراءة
١٨٣ - ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ وصدَّقوا بما جاء به محمد - ﷺ -، وناداهم بالإيمان تنبيهًا لهم على استماع ما يلقى إليهم من هذا التكليف. ﴿كُتِبَ﴾؛ أي: فرض ﴿عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾؛ أي: صيام شهر رمضان ﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾؛ أي: كتب عليكم كتابته على الذين سبقوا من قبلكم من الأنبياء وأممهم، من لدن آدم إلى عهدكم هذا، لكن لا كصومنا من كل وجه، فالتشبيه في الفرضية لا الكيفية والثواب.
والمعنى: أن الصوم عبادة قديمة؛ أي: في الزمن الأول ما أخلى الله أمة لم يفرضه عليهم كما فرضه عليكم، وأنتم متعبدون بالصيام في أيام كما تَعَبَّد من كان قبلكم به. وحكمة ذكر التشبيه: التأكيد في الأمر والتسلي بمن كان قبلنا، وذلك لأن الصوم عبادة شاقة، والشيء الشاق إذا عمَّ سهل عمله.
والصومُ لغةً: الإمساك عن الشيء، ولو عن الكلام كما في قول مريم: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾؛ أي: صمت، وشرعًا: الإمساك عن المفطرات من الأكل والشرب وغيرهما في وقت مخصوص، وهو من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية مخصوصة؛ وهي نية التقرب إلى الله تعالى. قال (١) الراغب: للصوم