موقف إلا وادي محصر، ﴿وَاذْكُرُوهُ﴾ بالتوحيد والتعظيم ﴿كَمَا هَدَاكُمْ﴾؛ أي: كما ذكركم بالهداية فهداكم لدينه ومناسك حجه، أو المعنى: واذكروه سبحانه وتعالى؛ لأجل هدايته إياكم لمعالم دينه، فالكاف للتعليل، أو (١) نعت لمصدر محذوف؛ أي: اذكروه ذكرًا حسنًا كهدايته إياكم هداية حسنة، وكرر الأمر بالذكر تأكيدًا، وقيل: الأول: أمر بالذكر عند المشعر الحرام، والثاني: أمر بالذكر على حكم الإخلاص، وقيل: المراد بالثاني: تعديد النعمة عليهم ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ﴾؛ أي: وإن الشأن كنتم من قبل هدايته إياكم لمن الجاهلين بالإيمان والطاعة لا تعرفون كيف تذكرونه وتعبدونه، و ﴿إن﴾ مخففة من الثقيلة، وقيل: بمعنى قد؛ أي: وقد كنتم، و ﴿الهاء﴾ (٢) في من قبله عائد إلى الهدى، وقيل: إلى الرسول؛ أي: من قبل إرسال الرسول لمن الضالين، وهو كناية عن غير مذكور، وقيل: يرجع إلى القرآن، والمعنى: واذكروه كما هداكم بكتابه الذي أنزله عليكم، وإن كنتم من قبل إنزاله لمن الضالين.
١٩٩ - ﴿ثُمَّ﴾ بعد وقوفكم بعرفة وذكركم عند المشعر الحرام ﴿أَفِيضُوا﴾؛ أي: ارجعوا يا قريش ﴿مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ غيركم من سائر العرب وعامة الناس؛ أي: ارجعوا من المزدلفة إلى منى قبل طلوع الشمس للرمي والنحر إن قلنا: إنه خطاب لقريش، وأمرٌ لهم بالإفاضة من حيث أفاض غيرهم (٣)، وقرىء شذوذًا: ﴿الناسي﴾ يريد آدم، وهي صفة غلبت عليه كالعباس والحارث، ودل عليه قوله تعالى: ﴿فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت قريش ومن دان بدينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمون الحمس، وكانت سائر العرب يقفون بعرفة، فلما جاء الإِسلام أمر الله نبيه - ﷺ - أن يأتي عرفات فيقف بها، ثم يفيض منها، فذلك قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ فعلى هذا القول المراد بالناس:

(١) شوكاني.
(٢) خازن.
(٣) عكبري.


الصفحة التالية
Icon