التفسير وأوجه القراءة
٢٥٣ - ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ﴾؛ أَي: جماعةُ الرسل المذكورون في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ وأتى بإشارة البعيد إشعارًا ببُعْدِ مرتبتهم في الكمال. ﴿فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ في مراتب الكمال؛ بأن خصصناه بمنقبةٍ لَيْستَ لغيره؛ أيْ: لم نجعَلْهم سواءً في الفَضِيْلَة، وإنْ اسْتَوَوْا في القِيام بالرسالةِ؛ كالمؤمنين مُسْتوون في صفة الإيمان ويتفاوتون في الطاعات بعد الإيمان. فإن قلتَ (١): هذه الآيةُ يُعارضها ما ورد في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ: "لا تفضِّلوني على الأنبياء"، وفي لفظ آخر: "لا تُفَضِّلوا بينَ الأنبياءِ" وفي لفظ: "لا تخيَّروا بين الأنبياء"؟
قلتُ: لا تعارض بين القرآن والسُّنّة بوجهٍ من الوجوه؛ فالقرآنُ: فيه الإخبارُ من الله بأنه فضَّل بعضَ أنبيائه على بعضٍ، والسنةُ: فيها النهيُ لعباده أن يُفضّلوا بين أنبيائه، فمَنْ تعرَّض للجمع بينهما زاعمًا أنهما متعارضان فقد غَلِطَ غلطًا بَيِّنًا.
ثُمَّ بيَّن ذلك بقوله: ﴿مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ﴾. قرأ الجمهور: ﴿كلّم﴾ بالتشديدِ، ورفعِ الجلالة، والعائدُ على: ﴿مَن﴾ محذوفٌ؛ تقديره: مَنْ كلَّمه الله، وقُرىء بنصب الجلالة، والفاعل مستترٌ، يعود على ﴿مَن﴾، وقرأ أبو المتوكل، وأبو ﴿نَهْشَلٍ﴾، وابن السُّمَيْفِع شذوذًا: ﴿كالم اللهُ﴾ بالألف، ونَصْبِ الجلالة مِنَ المُكالمة، وهي: حُدُوثُ الكلامِ من اثنين، ومنه قيل: كَلِيْمُ الله؛ أَيْ: مُكالِمُهُ؛ فعيل بمعنى مُفاعل؛ أي: منهم من كَلَّمهم الله سبحانه وتعالى بلا واسطةٍ، كموسى؛ حيث كَلَّمه ليلةَ الحَيْرَةِ؛ وهي تحيُّره في معرفة طريقِه في مسيره من مَدْينَ إلى مصر، وفي الطور، ومحمدٌ - ﷺ -؛ حيث كلَّمه ليلة المعراج.
﴿وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ﴾ على بعض ﴿دَرَجَاتٍ﴾؛ أي: في الدرجات، والفضائِل؛ كما ثبت (٢) في حديث الإسراء حين رَأَى النَّبِيُّ - ﷺ - الأنبياءَ في السموات بحسبِ

(١) الشوكاني.
(٢) ابن كثير.


الصفحة التالية
Icon