وتذيقهم الخزي والنكال. وأما في الآخرة: فعذاب الله أشد وأبقى. وهذا الوعيد المذكور في هذه الآية يقابل الوعد المذكور في الآية السابقة، وهو قوله: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ فالفلاح فيها يشمل الفوز بخيري الدنيا والآخرة.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: "من فارق الجماعة شبرًا.. فقد خلع ربقة الإِسلام من عنقه". أخرجه أبو داود. ربقة الإِسلام: عقدة الإِسلام وحبله وعراه.
وروى البغويُّ بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّ رسول الله - ﷺ - قال: "مَنْ سَرَّه أن يسكن بحبوحة الجنة.. فعليه بالجماعة؛ فإن الشيطان مع الفذِّ، وهو من الاثنين أبعد". بحبوحة الجنة: وسطها، والفذ: هو الواحد.
١٠٦ - ثم ذكر الله سبحانه وتعالى زمان ذلك العذاب فقال: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ﴾ الظرف منصوب بمحذوف تقديره: اذكروا يوم تبيض وتستنير، وتلألأ فيه وجوه كثيرة من المؤمنين بسبب ما تراه من الفرح والسرور بحسناتها، ﴿وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ كثيرة من الكافرين بسب ما تراه من الحزن والكآبة والغمّ بسيئاتها، وهو يوم القيامة حين (١) يبعثون من قبورهم تكون وجوه المؤمنين مبيضة، ووجوه الكافرين مسودة، ويقال: إن ذلك عند قراءة الكتاب إذ قرأ المؤمن كتابه.. رأى حسناته، فاستبشر وأبيض وجهه، وإذا قرأ الكافر كتابه.. رأى سيئاته؛ فحزن واسود وجهه.
وفي بياض (٢) الوجوه وسوادها قولان:
أحدهما: البياض كناية عن الفرح، والسرور، والسواد: كناية عن الغم والحزن، واستعمال البياض في السرور والسواد في الحزن عرف شائع لدى كل ناطق بالضاد على سبيل التجوز.
والقول الثاني: بياض الوجوه وسوادها حقيقة تحصل في الوجه، فيبيض وجه المؤمن، ويكسى نورًا، ويسود وجه الكافر ويكسى ظلمة؛ لأن لفظ البياض والسواد حقيقة فيهما.

(١) الشوكاني.
(٢) الخازن.


الصفحة التالية
Icon