﴿فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ﴾ عطفٌ (١) على صرفكم؛ أي: ثم صرفكم عنهم فجازاكم غمًّا حصل لكم بسبب الانهزام، وقتل الأحباب، وفوت الغنائم بسبب غمٍّ حصل للرسول - ﷺ - بسبب عصيانكم أمره؛ أي: أذاقكم غمًّا بسبب غمٍّ، أذقتموه رسول الله - ﷺ - بسبب فراركم عنه ﴿لِكَيْ﴾ تتمرنوا على تجرع الغموم وتتعودوا الصبر في الشدائد فـ ﴿لا تحزنوا﴾؛ أي: لا تتأسفوا فيما بعد ﴿عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾ من الظفر والغنيمة ﴿وَلَا﴾ تحزنوا على ﴿مَا أَصَابَكُمْ﴾ ونالكم من القتل والجراح والهزيمة. وقيل: الجار والمجرور متعلِّقٌ بـ ﴿عفا﴾ عنكم، والمعنى: ولقد عفا عنكم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم، ولا ما أصابكم؛ لأن عفوه يذهب كلَّ هم وحزن، وقيل: المعنى: فأثابكم غمًّا متواصلًا أنساكم الحزن على ما فاتكم، ولا ما أصابكم. وقد روي أنهم لما سمعوا بأن النبيُّ - ﷺ - قد قتل نسوا ما أصابهم، وما فاتهم. هذا على القول بأنَّ ﴿لا﴾ أصليةٌ. والقول الثاني: أنَّ ﴿لا﴾ زائدة، واللام متعلِّقة بـ ﴿أثابكم﴾ أي: ﴿فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾ وأصابكم عقوبة لكم على مخالفتكم قال ابن عباس رضي الله عنهما الذي فاتهم الغنيمة، والذي أصابهم القتل والهزيمة. ﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾؛ أي: عالم بجميع أعمالكم، ومقاصدكم والدواعي التي حملتكم عليها قادرٌ على مجازاتكم عليها إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ، وفي هذه الجملة ترغيبٌ في الطاعة وترهيبٌ عن الإقدام على المعصية.
وخصَّ (٢) العمل بالذكر، وإن كان تعالى خبيرًا بجميع الأحوال من الأعمال والأقوال والنيَّات تنبيهًا على أعمالهم من تولية الأدبار والمبالغة في الفرار، وهي أعمال تخشى عاقبتها وعقابها.
١٥٤ - ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ﴾ الله سبحانه وتعالى وأرسل ﴿عَلَيْكُمْ﴾ يا معشر المسلمين ﴿مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ﴾ الذي أصابكم بسبب الجراح والقتل والهزيمة ﴿أَمَنَةً﴾؛ أي: أمنًا من
(٢) البحر المحيط.