بها ﴿وَكَفِّرْ﴾؛ أي: وغط وامح بفضلك ورحمتك ﴿عَنَّا سَيِّئَاتِنَا﴾ الصغائر، أو المستقبلة. وقيل: المراد (١) بالأول ما يزول بالتوبة، وبالثاني ما تكفره الطاعة العظيمة، وقيل: المراد بالأول ما أتى به الإنسان مع العلم بكونه معصيةً، وبالثاني ما أتى به الإنسان مع جهله بذلك. والظاهر (٢): عدمُ اختصاص أحد اللفظين بأحد الأمرين، والآخر بالآخر، بل يكون المعنى في الذنوب والسيئات واحدًا، والتكرير للمبالغة، والتأكيد كما أن معنى الغفر، والتكفير واحد. والغفران: الستر، والتغطية، يقال: رجل مكفر بالسلاح؛ أي: مغطى به، قال لبيد:
في لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُوْمَ ظَلاَمُهَا
وكذلك التكفير معناه الستر، فهما بمعنى واحد، وإنما ذكرَهما للتأكيد؛ لأن الإلحاحَ في الدعاء، والمبالغةَ فيه مندوب إليه، ﴿وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ﴾؛ أي: أمتنا مصاحبين وملتبسينَ بأعمال الأبرار والأخيار المتمسكين بالسنة والطريقة المستقيمة من الأنبياء، والمرسلين، والصديقين، والصالحين، حتى نكون في درجاتهم يوم القيامة، أو المعنى: وتوفنا على الإيمان، واجمعنا مع أرواح النبيينَ والصالحين.
والحاصل: أنهم طلبوا من الله تعالى في هذا الدعاء ثلاثةَ أشياء: غفرانَ الذنوب المتقدمة، وتكفيرَ السيئات المستقبلة، وأن تكون وفاتهم مع الأبرار؛ بأن يموتوا على مثل أعمالهم حتى يكونوا في درجاتهم يوم القيامة، كما يقال: فلان في العطاء مع أصحاب الألوف؛ أي: هو مشارك لهم في أنه يعطي ألفًا، قال تعالى: ﴿فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ﴾ وفي هذا رمز إلى أنهم كانوا يحبون لقاء الله، ومن أحب لقاء الله. أحب الله لقاءَه.
١٩٤ - ﴿رَبَّنَا وَآتِنَا﴾؛ أي: أعطنا ﴿مَا وَعَدْتَنَا﴾ من حسن الجزاء كالنصر في الدنيا، والنعيم في الآخرة جزاءً ﴿عَلَى﴾ تصديق ﴿رُسُلِكَ﴾ واتباعهم، فالجار والمجرور، إمَّا متعلق بوعدتنا؛ أي: وعدتنا على تصديق رسلك، أو متعلق بمحذوف صفة لمصدر محذوف مؤكد للعامل، تقديره: وعدتنا وعدًا كائنًا على ألسنة رسلك.

(١) المرح.
(٢) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon