في صدورهم، وكيف يزعمون بالإيمان بك، وكتابك المنزل عليك يأمرهم بالكفر بالجبت والطاغوت في آيات كثيرة كما مرت، وهم يتحاكمون إليه؟ فألسنتهم تدعي الإيمان باللهِ وبما أنزله على رسله، وأفعالهم تدل على كفرهم بالله وإيمانهم بالطاغوت وإيثارهم لحكمه.
ويدخل في هؤلاء كل من يتحاكم إلى الدجالين، كالعرافين وأصحاب المندل (١) والرمل من أولياء الشياطين المخرفين الضالين المضلين.
وفي الآية إيماء إلى أن من رد شيئًا من أوامر الله أو أوامر الرسول - ﷺ -.. فهو خارج من الإِسلام، سواء رده من جهة الشك، أو من جهة التمرد والعناد. وقرأ الجمهور: ﴿بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ﴾ مبنيًّا للمفعول. وقرىء مبنيًّا للفاعل فيهما، وقرأ عباس بن الفضل ﴿أنْ يَكْفُرُوا بِهِا﴾ بهاء التأنيث على أن الطاغوت جمع، كقوله تعالى: ﴿أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ﴾ وقوله: ﴿وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ﴾ عطف (٢) على يريدون، داخل في حكم التعجيب؛ أي: ويريد الشيطان ﴿أَنْ يُضِلَّهُمْ﴾ ويبعدهم عن طريق الحق والهدى ﴿ضَلَالًا بَعِيدًا﴾؛ أي: إضلالًا بالغًا النهاية، وأن يجعل بينهم وبين الحق مسافة بعيدة فهم لشدة بعدهم عن الحق لا يهتدون إلى الطريق الموصلة إليه.
والخلاصة: أن الواجب على المسلمين أن لا يقبلوا قول أحد، ولا يعملوا برأيه في شيء له حكم في كتاب الله أو سنة رسوله - ﷺ -، وما لا حكم له فيهما فالعمل فيه برأي أولي الأمر؛ لأنه أقرب إلى المصلحة.
٦١ - قوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾ الآية، تكملة (٣) لمادة التعجيب، ببيان
(٢) أبو السعود.
(٣) أبو السعود.