سبحانه، والخشوع بالجوارح، والخضوع بالقلب، أو الخشوع بالبصر، والخضوع بسائر الأعضاء ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ﴾؛ أي: يوقنون؛ لأن الظنّ هنا بمعنى اليقين، كما في قوله تعالى: ﴿إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠)﴾ فاستعمل الظن استعمال اليقين مجازا، كما استعمل العلم استعمال الظن، كما في قوله تعالى: ﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ﴾. اه. «كرخي». وأصل يظنون: يظننون بوزن يفعلون، نقلت حركة النون الأولى إلى الظاء، فضمت، وأدغمت النون في النون ﴿أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ﴾ أصله ملاقيوا بضم الياء، استثقلت الحركة على الياء فحذفت فسكنت، فالتقت ساكنة مع واو الجماعة فحذفت، ثم ضمت القاف؛ لمناسبة الواو، وهذا بعد حذف نون الرفع للإضافة، والملاقاة: مفاعلة تكون من الجانبين؛ لأنّ من لاقاك فقد لاقيته.
قال المهدويّ، والمارودي، وغيرهما: الملاقاة هنا وإن كانت صيغتها تقتضي التشريك، فهي من الواحد، كقولهم: طارقت النعل، وعاقبت اللص، وعافاك الله. وقد اختلف المفسرون في معنى ملاقاة ربهم: فحمله بعضهم على ظاهره من غير حذف ولا كناية، بأن اللقاء هو رؤية الله تعالى، وإلى اعتقادها ذهب أكثر المسلمون. وقيل: ذلك على حذف مضاف؛ أي: جزاء ربهم؛ لأن الملاقاة بالذوات مستحيلة في غير الرؤية. وقيل: ذلك كناية عن انقضاء أجلهم، كما يقال لمن مات: لقي الله، ومنه قول الشاعر:
غدا نلقى الأحبه... محمدا وصحبه
وكنى بالملاقاة عن الموت؛ لأن ملاقاة الله متسبب عن الموت. اه. من «البحر» بتصرف ﴿وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ﴾ والفضل: الزيادة واستعماله في الخير، وفعله فعل يفعل من باب نصر، وأصله: أن يتعدى بحرف الجر وهو على، ثم يحذف على، على حدّ قول الشاعر، وقد جمع بين الوجهين:
وجدنا نهشلا فضلت فقيماه... كفضل ابن المخاض على الفصيل
﴿يَوْمًا لا تَجْزِي﴾ الجزاء القضاء عن المفضّل والمكافأة. قال الراجز:
يجزيه ربّ العرش عنيّ إذ جزى... جنات عدن في العلاليّ العلا
والإجزاء الإغناء ﴿لا يُقْبَلُ﴾ وقبول الشيء التوجه إليه، والفعل قبل يقبل