بالقتل والسبي والجلاء، وأخر مجازاتهم على باقي ذنوبهم إلى الآخرة ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ﴾ يعني: اليهود وغيرهم، لأنَّهم ردوا حكم الله تعالى ﴿لَفَاسِقُونَ﴾؛ أي: خارجون عن دائرة الطاعات، ومعادن السعادات، يعني: متمردون في الكفر، مصرون عليه، خارجون من الحدود والشرائع التي اختارها الله تعالى لعباده. وفي هذا تسلية للنبي - ﷺ - على عدم إذعانهم لما جاء به من الهدى والدين، وإعراضهم عن ذلك النور الذي أنزل إليه،
٥٠ - والاستفهام في قوله: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾ للإنكار والتوبيخ، والفاء للعطف على مقدر كما في نظائره، أي: أيعرضون عن حكمك بما أنزل الله عليك، ويتولون عنه فيبغون عنك حكم الجاهلية المبني على التحيز والهوى لجانب دون آخر، وترجيح القوي على الضعيف؟ والمعنى: لا يبغون حكم الجاهلية منك على سبيل الظفر به لعصمتك. روي: أن بني النضير تحاكموا إلى الرسول - ﷺ - في خصومة كانت بينهم وبين بني قريظة، وطلب بعضهم من النبي - ﷺ - أن يحكم بينهم بما كان عليه أهل الجاهلية من التفاضل وجعل دية القرظي ضعفي دية النضيري لمكان القوة والضعف، فقال - ﷺ -: "القتلى بواء" سواء، فقال بنو قريظة: لا نرضى ذلك، فنزلت الآية.
وخلاصة ذلك: توبيخهم، والتعجيب من حالهم بأنهم أهل كتاب وعلم، ومع ذلك كانوا يبغون حكم الجاهلية الذي يجيء به محض الجهل وصريح الهوى. وقرأ الجمهور (١) ﴿أفحكم﴾ بنصب الميم، وهو مفعول يبغون. وقرأ السلمي وابن وثاب وأبو رجاء والأعرج: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ برفع الميم على الابتداء، والظاهر أن الخبر هو قوله: ﴿يبغون﴾ وحسن حذف الضمير قليلًا في هذه القراءة كون الجملة فاصلة. وقرأ قتادة: ﴿أبحكم الجاهلية﴾ بالباء الجارة بدل الفاء، وقرأ قتادة والأعمش أيضًا: ﴿أفحكم﴾ بفتح الحاء والكاف والميم، وهو جنس لا يراد به واحد، كأنه قيل: أحكام الجاهلية يبغون؛ أي: أفيطلبون حاكمًا كحكام الجاهلية، وهي: إما الملة الجاهلية التي هي متابعة الهوى الموجبة للمداهنة في الأحكام، وإما أهل الجاهلية، وهي إشارة إلى الكهان الذين كانوا