العادات، ولا يؤمنون به، وإن جاء بآيات أخرى؛ إذ لم يكن طعنهم لشبهات تتصل بها، بل كان عنادًا ومكابرةً، ومن ثَمَّ ادعوا أن السحر صنعته، والتمويه وقلب الحقائق دأبه وعادته.
١١١ - وقوله: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ﴾ معطوف على ما قبله؛ أي: واذكر نعمتي عليك حين أوحيت إلى الحواريين وألهمتهم، وقذفت في قلوبهم، وقد كذبك جمهور بني إسرائيل، وجعلتهم أنصارًا لك يؤيدون دعوتك وينشرون شريعتك. فالوحي بمعنى الإلهام، وقيل: أمرتهم على ألسنة الرسل من قبلك ﴿أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي﴾؛ أي: أن صدقوا بوحدانيتي في الألوهية، وصدقوا برسالة رسولي عيسى عليه السلام، والحواريون: هم أصحاب عيسى وخواصه ﴿قَالُوا آمَنَّا﴾: جملة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا، كأنه قيل: ماذا قالوا؟ فقال: قالوا آمنا؛ أي: قال الحواريون للرب جل جلاله، أو لعيسى: آمنا وصدقنا بوحدانيته تعالى، وبرسالة رسوله عيسى عليه السلام ﴿وَاشْهَدْ﴾ أنت يا رب أو يا عيسى ﴿بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾؛ أي: مخلصون في إيماننا، فأشهدوا الله على أنفسهم أنهم مسلمون؛ أي: مخلصون في إيمانهم، مذعنون لأوامره وتاركون لنواهيه، وإنما قدم (١) ذكر الإيمان على الإِسلام؛ لأن الإيمان من أعمال القلوب، والإِسلام والانقياد والخضوع في الظاهر، والمعنى: أنهم آمنوا بقلوبهم وانقادوا بظواهرهم.
قال أبو حيان في "البحر": وتقدم نظير هذه الجملة في آل عمران إلا أنه هناك قال: ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ﴾؛ لأنه تقدم ذكر الله فقط في قوله: ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾ وهنا قال: ﴿آمَنَّا﴾، فلم يقيد بلفظ الجلالة؛ إذ قد تقدم ﴿أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي﴾ وقال هناك: ﴿وَاشْهَدْ بِأَنَّا﴾، وهنا قال: ﴿وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا﴾، وهذا هو الأصل؛ إذ ﴿أن﴾ محذوف منه النون لاجتماع الأمثال انتهى.
١١٢ - ثم ذكر الله سبحانه وتعالى كلامًا منقطعًا عما قبله؛ ليبين ما جرى بينه عليه السلام وبين قومه عقب حكاية ما صدر من الحواريين من المقالة المعدودة من

(١) الخازن.


الصفحة التالية
Icon