تشكروا نعمة عفوي، وتستمروا بعد ذلك على طاعتي، فإنّ الإنعام يوجب الشكر.
وأصل الشكر: تصوّر النعمة وإظهارها، وحقيقته العجز عن الشكر، والمعنى؛ أي: ثم محونا تلك الجريمة بقبول التوبة، ولم نعاجلكم، بل أمهلناكم حتى جاءكم موسى، وأخبركم بكفارة ذنوبكم؛ ليعدكم بهذا العفو للاستمرار على الشكر على النعم. قاله الجمهور وفي «البحر» ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾؛ أي (١): تثنون عليه تعالى بإسدائه نعمه إليكم، وتظهرون النعمة بالثناء. وقالوا: الشكر باللسان؛ وهو الحديث بنعمة المنعم والثناء عليه بذلك، وبالقلب؛ وهو اعتقاد حق المنعم على المنعم عليه وبالعمل، كما قال تعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْرًا﴾ وبالله؛ أي: شكر الله بالله؛ لأنّه لا يشكره حق شكره إلا هو. وقال بعضهم:

وشكر ذوي الإحسان بالقول تارة وبالقلب أخرى ثمّ بالعمل الأسنى
وشكري لربّي لا بقلبي وطاعتي ولا بلساني بل به شكره عنّا
٥٣ - ﴿وَ﴾ اذكروا يا بني إسرائيل! ﴿إِذْ آتَيْنا﴾؛ أي: قصة إذ أعطينا ﴿مُوسَى﴾ بن عمران رسولكم ﴿الْكِتابَ﴾؛ أي: التوراة ﴿وَالْفُرْقانَ﴾؛ أي: الحكم الفارق بين الحق والباطل، والحلال والحرام، وهو من عطف الصفة على الموصوف، لغرض التفسير والبيان لماهية الموصوف؛ أي: قصة إذ أعطينا له التوراة الجامعة بين كونها كتابا، وحجة تفرق الحق والباطل، كقولك: لقيت الغيث الليث، تريد الشخص الجامع بين الجود والجراءة، فالمراد (٢) بالفرقان والكتاب واحد، فكأنه قيل: إذ آتينا له الكتاب الفارق بين الحق والباطل. وقيل: الكتاب التوراة، والفرقان الآيات والمعجزات التي أعطاه الله تعالى، من العصا، واليد، وغيرهما، وهذا أولى وأرجح، ويكون العطف على بابه، والمعنى: وإذ آتينا موسى التوراة والآيات التي أرسلناه بها معجزة له ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾؛ أي: لكي تهتدوا بذلك الكتاب من الضلال إلى الحق، وبالعمل به إلى دار الثواب.
(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon