١٢٧ - ﴿لَهُمْ﴾؛ أي: لهؤلاء القوم المتذكرين ﴿دارُ﴾ الله ﴿السَّلامِ﴾ سبحانه وتعالى؛ أي: المنزه عن جميع النقائص؛ لأن السلام اسم من أسمائه تعالى، وهي الجنة أضافها إلى نفسه تعظيما، أو دار السلامة من كل آفة وكدر ومكروه؛ أي: السلامة الدائمة التي تنقطع، سميت الجنة بذلك؛ لأن جميع حالاتها مقرونة بالسلامة؛ لأن السلام بمعنى السلامة نظير الضلال والضلالة، أو دار السلام بمعنى التحية؛ لقوله: ﴿تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ﴾، ﴿إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا (٢٦)﴾ حالة كونها مدخرة لهم ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ يعني أن الجنة معدة مهيأة لهم عند ربهم حتى يوصلهم إليها ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿وَلِيُّهُمْ﴾؛ أي: متكفل لهم بجميع مصالحهم في الدين والدنيا ﴿بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾؛ أي: بسبب أعمالهم الصالحة، أو متولي أمورهم بالتوفيق والهداية في الدنيا، وبالجزاء والجنة في الآخرة، أو محبهم أو ناصرهم على أعدائهم بسبب أعمالهم الصالحة.
١٢٨ - والظرف في قوله: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ﴾ متعلق بقول مقدر بعده، تقديره: ويوم نحشر الخلائق جَمِيعًا من الأولين والآخرين في عرصات القيامة، نقول للجن: ﴿يا مَعْشَرَ الْجِنِّ﴾ وهذا أولى من تقدير: أذكر؛ لخروجه حينئذ عن الظرفية، كما قاله أبو حيان في «البحر». وقرأ حفص بالياء في ﴿يَحْشُرُهُمْ﴾؛ أي: ويوم يحشر الله سبحانه وتعالى الخلائق جميعا، وهو يوم القيامة يقول للجن: ﴿يا مَعْشَرَ الْجِنِّ﴾ وباقي السبعة بالنون، وهذا النداء نداء شهرة وتوبيخ لهم على رؤوس الأشهاد؛ أي: يا جماعة الجن ﴿قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ﴾؛ أي: قد أكثرتم الاستمتاع والانتفاع، والتلذذ بالإنس بطاعتهم لكم ودخولهم فيما تريدون منهم. وقيل المعنى: أكثرتم الإغواء والإضلال من الإنس حتى صاروا في حكم الأتباع لكم ﴿وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ﴾؛ أي: أولياء الجن وأصحابهم الذين هم ﴿مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا﴾ ويا مالك أمرنا ﴿اسْتَمْتَعَ﴾ وانتفع ﴿بَعْضُنا﴾ معاشر الجن والإنس ﴿بِبَعْضٍ﴾ آخر؛ أي: انتفع الجن بالإنس وانتفع الإنس بالجن؛ أي: انتفع كل من الجنسين بالآخر؛ أي: وقال الذين تولوا الجن من الإنس في جواب الرب تعالى: ربنا تمتع كل منا بالآخر بما كان للجن من اللذة في إغوائنا بالأباطيل وأهواء الأنفس وشهواتها، وبما كان لنا في طاعتهم ووسوستهم من اللذة في اتباع الهوى


الصفحة التالية
Icon