أخيه إليه وتوبة القوم، ولجأ إلى رحمة ربه وفضله، وجأر بالدعاء له أن يغفر له ولأخيه خطاياهما ﴿أَخَذَ الْأَلْواحَ﴾؛ أي: عاد إلى الألواح التي ألقاها غضبا، فأخذها ﴿وَفِي نُسْخَتِها﴾؛ أي: وفي المكتوب فيها من اللوح المحفوظ، وقيل: وفيما كتب له فيها، فلا يحتاج إلى أصل ينقل عنه، وقيل: وفيما نسخ من الألواح المتكسرة، ونقل إلى الألواح الجديدة، قال ابن عباس وعمرو بن دينار:
لما ألقى موسى الألواح فتكسرت.. صام أربعين يوما، فردت عليه في لوحين، وفيهما ما في الأولى بعينها، فيكون نسخها نقلها، وقال عطاء: ﴿وَفِي نُسْخَتِها﴾ معناه: وفيما بقي منها، وذلك أنّه لم يبق منها إلا سبعها، وذهب ستة أسباعها، ولكن لم يذهب من الحدود والأحكام شيء اه «قرطبي».
﴿هُدىً﴾؛ أي: بيان للحق ﴿وَرَحْمَةٌ﴾ للخلق بإرشادهم إلى ما فيه الخير والصلاح، فالهدى ما يهتدون به من الأحكام، والرحمة ما يحصل لهم من الله تعالى عند عملهم بما فيها من الرحمة الواسعة، واللام في قوله: ﴿لِلَّذِينَ هُمْ﴾ متعلقة بمحذوف صفة لـ ﴿رَحْمَةٌ﴾، وفي قوله: ﴿لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ متعلقة بـ ﴿يَرْهَبُونَ﴾ زيدت لتقوية العامل لضعفه بالتأخر، والمعنى: وفي نسختها هدى من الضلالة، ورحمة كائنة للذين هم يرهبون ويخافون عقاب ربهم، ويرجون ثوابه بالعمل بما فيها.
وقرأ معاوية بن قرة (١): ﴿ولما سكن عن موسى الغضب﴾ وقرىء: ﴿ولما أسكت﴾ رباعيا مبنيا للمفعول، وكذا في مصحف حفصة؛ أي: أسكت الله عن موسى الغضب، وفي مصحف عبد الله: ﴿ولما صبر عن موسى الغضب﴾. وفي مصحف أبي: ﴿ولما انشق عن موسى الغضب﴾.
١٥٥ - ﴿وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا﴾ هذا شروع في بيان ما كان من موسى ومن القوم الذين اختارهم، و ﴿سَبْعِينَ﴾ مفعول ﴿اخْتارَ﴾، و ﴿قَوْمَهُ﴾: منصوب بنزع الخافض، أي: من قومه فحذف الجار وأوصل الفعل إليه؛ أي: وانتخب موسى واصطفى سبعين رجلا من خيار قومه ممن لم يعبدوا العجل، وجملتهم اثنا عشر ألفا، وكان جملة بني إسرائيل الذين خرجوا معه من مصر ست

(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon