وتعالى في هذه الآية يأمره بما يصنعه في المستقبل مع من يخاف منه خيانةً؛ أي: إنَّ الخيانة مبغوضةٌ بجميع ضروبها، ولا وسيلة لاتقاء ضررها من الكفار إذا ظهرت أماراتها إلا بنبذ عهدهم جهرةً.
روى البيهقي أنَّ النبي - ﷺ - قال: "ثلاثةٌ المسلم والكافر فيهن سواء: من عاهدته.. فوفِّ عهده مسلمًا كان أو كافرًا، فإنما العهد لله، ومن كانت بينك وبينه رحم.. فصلها مسلمًا كان أو كافرًا، ومن ائتمنك على أمانةٍ.. فأدِّها إليه مسلمًا كان أو كافرًا".
وعبارة "المراح" هنا قوله: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ﴾؛ أي (١) وإن تعلمنَّ يا محمَّد من قوم من المعاهدين نقض عهد بأمارات ظاهرة.. فاطرح إليهم عهدهم على طريق ظاهر مستوٍ، بأن تعلمهم قبل حربك إياهم أنك قطعت ما بينك وبينهم من الوصلة، حتى تكون أنت وهم في العلم بنقض العهد سواءً، ولا تبادرهم بالحرب - وهم على توهم بقاء العهد - فيكون ذلك خيانة منك ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾ في العهود.
والحاصل: إن ظهرت الخيانة بأمارات ظاهرة من غير أمرٍ مستفيض.. وجب على الإِمام أن ينبذ إليهم العهد ويعلمهم الحرب، ذلك كما في قريظة، فإنهم عاهدوا النبي - ﷺ -، ثم أجابوا أبا سفيان ومن معه من المشركين إلى مظاهرتهم عليه - ﷺ -، وأما إذا ظهر نقض العهد ظهورًا مقطوعًا به.. فلا حاجة للإمام إلى نبذ العهد وإعلامهم بالحرب، بل يفعل كما فعل رسول الله - ﷺ - بأهل مكة، فإنهم لما نقضوا العهد بقتل خزاعة وهم في ذمة النبي - ﷺ -.. وصل إليهم جيش النبي - ﷺ - بمرِّ الظهران، وذلك على أربع فراسخ من مكة.
٥٩ - ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا﴾ قرأ ابن عامر (٢) وحفص عن عاصم - بالياء التحتية - أي: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ من قريش أنفسهم فاتوا من عذابنا بهربهم يوم بدر. وقرأ الباقون بالتاء الفوقية، على مخاطبة النبي - ﷺ -، أو أيّ

(١) المراح.
(٢) المراح.


الصفحة التالية
Icon