أمر رسول الله - ﷺ - أن ينبعثوا غازين معه، فجاءت عصابةٌ من أصحابه، فيهم عبد الله بن معقل المزني، فقال: يا رسول الله، احملنا، فقال: "والله لا أجد ما أحملكم عليه" فتولوا ولهم بكاءٌ، وعز عليهم أن يحبسوا عن الجهاد ولا يجدون نفقةً ولا محملًا، فأنزل الله عز وجل: ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ﴾ الآية، وقد ذكرت أسمائهم في المبهمات.
التفسير وأوجه القراءة
٨٤ - ﴿وَلَا تُصَلِّ﴾ يا محمد بعد الآن؛ أي: بعد عبد الله بن أبي ﴿عَلَى أَحَدٍ﴾ من هؤلاء المنافقين، الذين تخلفوا عن الخروج معك، وقوله: ﴿مَاتَ﴾ صفة لأحد، وقوله: ﴿أَبَدًا﴾ ظرف لتأييد النفي، منصوب بالنهي؛ أي: لا تصل أبدًا بعد اليوم على أحد مات منهم؛ لأن المقصود من الصلاة الدعاء للميت والاستغفار له، وهو ممنوع في حق الكفار ﴿ولَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾؛ أي: ولا تقف عند قبره للدفن، أو الزيارة أو الدعاء له بالتثبيت، كما تقوم على قبور المؤمنين عند دفنهم، فإنه - ﷺ - كان إذا دفن الميت.. وقف على قبره ودعا له.
روى أبو داود والحاكم والبزار عن عثمان رضي الله عنه: كان النبي - ﷺ - إذا فرغ من دفن الميت. وقف عليه فقال: "استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل".
ثم بيَّن سبب نهيه عن الصلاة عليم ﴿إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ أي: لأنهم استمروا على الكفر بالله ورسوله في السِرِّ مدَّة حياتهم ﴿وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ﴾؛ أي: خارجون عن حظيرة الإسلام مفارقون أمر الله ونهيه، فليسوا أهلًا للصلاة عليهم، ولا للاستغفار لهم بالقيام عند قبورهم.
فإن قلت: لِمَ وصفهم بالفسق بعد أن وصفهم بالكفر؛ لأن الفسق أدنى حالًا من الكفر، فالكفر يشمله وغيره، فما الفائدة في وصفهم بكونهم فاسقين بعد وصفهم بالكفر؟.
قلتُ: إن الكفر قد يكون عدلًا في دينه، بأن يؤدِّي الأمانة ولا يضمر