أوحى إلى الدنيا: تضيقي وتشدَّدي على أوليائي، وترفَّهي وتوسَّعي على أعدائي، تضيَّقي على أوليائي حتى لا يشتغلوا بك عني، وتوسَّعي على أعدائي حتى يشتغلوا بك عني، فلا يتفرَّغوا لذكري انتهى.
فغاية (١) متاع الدنيا أنها مثل القصعة والقدح والقدر ينتفع بها، ثم تذهب، والعاقل لا يفرح بما يفارقه عن قريب ويورثه حزنًا طويلًا، وإن حدثته نفسه بالفرح به يكذبها. قال الشاعر:
وَمَنْ سَرَّهُ أَنْ لاَ يَرَى مَا يَسُوْؤُهُ | فَلاَ يَتَّخِذْ شَيْئًا يَخَافُ لَهُ فَقْدَا |
والمعنى (٢): أي ويقول الذي كفروا من أهل مكة هلَّا أنزل على محمَّد آية كما أرسل على الأنبياء والرسل السابقين، كسقوط السماء عليهم كسفًا، أو تحويل الصفا ذهبًا، أو إزاحة الجبال من حول مكة حتى يصير مكانها مروجًا وبساتين إلى نحو أولئك من الاقتراحات التي حكاها القرآن عنهم كقولهم: ﴿فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ﴾ وكأنهم لفرط عنادهم وعظيم مكابرتهم قد ادعو أن ما أتى به من باهر الآيات كالقرآن وغيره ليس عندهم من الآيات التي توجب الإذعان والإيمان، أو التي لا تقبل شكًّا ولا جدلًا، ثم أمر رسوله أن يبين لهم أن إنزال الآيات لا دخل له في هداية ولا ضلال، بل الأمر كله بيده، فقال: ﴿قل﴾ يا محمَّد لهؤلاء الكفرة المعاندين ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ﴾
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.