وتنهج نهجهم، وقد تقدم أن مثل هذا من قبيل قولهم: إياك أعني واسمعي يا جارة، فهو إنما جاء لقطع أطماع الكافرين وتهييج المؤمنين على الثبات في الدين، لا للنبي - ﷺ -، فهو بمكان لا يحتاج فيه إلى باعث ولا مهيج.
٣٨ - ونزل لما عابت (١) اليهود رسول الله - ﷺ - بكثرة النساء، فقالوا: لو كان نبيًّا كما زعم لشغله أمر النبوة عن النساء قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا﴾؛ أي: وعزتي وجلالي لقد أرسلنا رسلًا بشرًا مثلك ﴿مِنْ قَبْلِكَ﴾ يا محمَّد ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً﴾؛ أي: نساء وأولاد كما هي لك، فإذا جاز ذلك في حقهم، فلم لا يجوز مثله أيضًا في حقك؟ وهو جواب لقول اليهود ما نرى لهذا الرجل همةً إلا في النساء والنكاح، ولو كان نبيًّا لاشتغل بالزهد والعبادة، وقد كان لمحمد - ﷺ - سبعة أولاد؛ أربع إناث، وثلاثة ذكور.
والمعنى: أي وكما أرسلناك رسولًا بشريًّا كذلك بعثنا المرسلين قبلك بشرًا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، ويأتون الزوجات ويولد لهم.
وفي "الصحيحين" أن رسول الله - ﷺ - قال: "أما أنا فأصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وآكل اللحم وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني". وقد كان من حكمة تعدد زوجاته أمهات المؤمنين أن اطلعن منه على الأحوال الخفية التي تكون بين الرجل والمرأة وعلمن منه أحكامها ونشرنها بين المؤمنين، وناهيك بأم المؤمنين عائشة، وفيها يقول رسول الله - ﷺ -: "خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء". ومن ثمَّ كانت أكثر من حدّث عن رسول الله - ﷺ - بعد أبي هريرة، وأكثر من حدّث عن شمائله وأخلاقه في السر والعلن، ومنها علم المسلمون كثيرًا من أحكام دينهم، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يختلفون إليها للحديث والفتيا، وكانت تحاجهم وتجادلهم وتلزمهم الحجة، ولا يجدون معدلًا عن التسليم لرأيها.
وروي (٢): أنه كان لداود عليه السلام مئة امرأة منكوحة وثلاث مئة سرية،

(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon