والمعنى: أن الله سبحانه وتعالى لا يوجد للعباد شيئًا من تلك الأشياء المذكورة إلا متلبسًا ذلك الإيجاد بمقدار معين (١)، حسبما تقتضيه مشيئته، على مقدار حاجة العباد إليه، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ﴾، وقد فسر الإنزال بالإعطاء؛ أي (٢): وما نعطي ذلك الشيء إلا بقسطٍ محدودٍ، نعلم أن فيه الكفاية لدى الحاجة، وفيه الرحمة بالعباد، كما قال: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾، وقد جرت عادة القرآن بأن يسمي ما يصل إلى العباد بفضل الله وجوده إنزالًا، كما قال: ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾، وقال: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾، وجملة قوله: ﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ﴾ معطوفة على مقدر - أي: وإن من شيء إلا عندنا خزائنه ننزله، وما ننزله - أو في محل النصب على الحال.
وقرأ الأعمش (٣): ﴿وما نرسله﴾ مكان ﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ﴾، والإرسال أعم، وهي قراءة تفسير ومعنى، لا أنها لفظ قرآن، لمخالفتها سواد المصحف، وفي "روح البيان": ﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ﴾؛ أي: ما نوجد وما نكوِّن شيئًا من تلك الأشياء متلبسًا بشيء من الأشياء إلا بقدر معلوم؛ أي: إلا متلبسًا بمقدار معين، تقتضيه الحكمة، وتستدعيه المشيئة التابعة لها، وفي "تفسير أبي الليث": ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ﴾؛ أي: مفاتيح رزقه، ويقال: خزائن المطر، ﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ﴾؛ أي: المطر ﴿إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾؛ أي: إلا بكيل ووزن معروف.
٢٢ - ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ﴾ معطوف على ﴿وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ﴾ وما بينهما اعتراض، والرياح: جمع ريح، وهو جسم لطيف منبث في الجو سريع المرور. اهـ "خطيب"، واللواقح: جمع لاقحة؛ أي: حاملة لأنها تحمل الماء إلى السحاب، فهي ملقحة، يقال: ناقة ملقحة إذا حملت الولد؛ أي: وأرسلنا الرياح وأنشأناها حالة كونها لواقح وحوامل للماء إلى السحاب، فهي حالة مقدرة، وقال

(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon