عباس، قال: كان رسول الله - ﷺ - بمكّة ذات يوم، فدعا، فقال في دعائه: يا الله، يا رحمن، فقال المشركون: انظروا إلى هذا الصابىء، ينهانا أن ندعوا إلهين، وهو يدعو إلهين، فأنزل الله ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى﴾.
قوله تعالى: ﴿وَلا تَجْهَرْ...﴾ الآية، سبب نزول هذه الآية: ما أخرجه البخاري وغيره، عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: نزلت هذه الآية ورسول الله - ﷺ - مختف بمكة، وكان إذا صلى بأصحابه، رفع صوته بالقرآن، وكان المشركون إذا سمعوا القرآن سبّوه ومن أنزله، ومن جاء به فقال الله تعالى لنبيه - ﷺ -: ﴿وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ﴾؛ أي: بقراءتك، فيسمع المشركون فيسبوا القرآن، ﴿وَلا تُخافِتْ بِها﴾ عن أصحابك، فلا تسمعهم ﴿وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا﴾، وأخرج البخاري، وغيره أيضًا عن عائشة - رضي الله عنها - أنها نزلت في الدعاء.
وأخرج ابن جرير وغيره، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله - ﷺ - إذا جهر بالقرآن، وهو يصلي تفرقوا، وأبوا أن يستمعوا منه، وكان الرجل إذا أراد أن يستمع من رسول الله - ﷺ - بعض ما يتلو، وهو يصلّي، استرق السّمع دونهم فرقًا منهم، فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع ذهب خشية أذاهم، فلم يستمع، فإن خفض رسول الله - ﷺ - صوته.. لم يستمع الذين يستمعون من قراءته شيئًا، فأنزل الله عليه ﴿وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ﴾ فيتفرّقوا عنك ﴿وَلا تُخافِتْ بِها﴾ فلا يستمع من أراد أن يسمعها ممن يسترق ذلك دونهم، لعله يرعوي إلى بعض ما يسمع، فينتفع به ﴿وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا﴾، وهذا لفظ ابن جرير، ولا تنافي بين هذه الأسباب إذ يحتمل أنّ المشركين يسبون القرآن، ومن جاء به، ويؤذون من رأوه يستمع للقرآن كما أنه يحتمل أنّ المراد ﴿وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ﴾ أي: بدعائك فى الصلاة، ورواية: أنّ ذلك في التشهد، كما عند ابن جرير (ج ١٥/ ص ١٨٧) مبينة لموضعه، والله أعلم.
التفسير وأوجه القراءة
٩٢ - والثالث منها: ما ذكره بقوله: ﴿أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ﴾؛ أي: أو


الصفحة التالية
Icon