اللعين ﴿إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُورًا﴾؛ أي: مغلوب العقل، مخلّطًا عليه أمره، أو مطبوبا؛ أي: سحروك، أو ساحرًا (١) بغرائب أفعاله، قاله الفراء وأبو عبيدة، فوضع المفعول موضع الفاعل، كما تقول: هذا مشؤوم، وميمون، أي شائمٌ ويامن.
وقيل: إن (إذ) تعليلية لا ظرفيّة، معللة للسؤال؛ أي: فاسألهم يا محمد يخبروك، لأنّه جاءهم؛ أي: جاء آباءهم بهذه الآيات، وأبلغها فرعون فقال له فرعون: إني لأظنك يا موسى مخلّط العقل، ومن ثمّ ادعيت ما ادعيت مما لا يقول مثله كامل العقل حصيف الرأي.
وقيل: جملة قوله: ﴿فَسْئَلْ﴾ ليست معترضةً بل هي مقول لقول محذوف تقديره: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ﴾ فـ ﴿قلنا﴾ له ﴿اسأل﴾ فرعون ﴿بَنِي إِسْرائِيلَ﴾؛ أي: فك أولاد يعقوب من يده وأسره، أي: سلهم يا موسى من فرعون؟ وقل له: أرسل معي بني إسرائيل ولا تعذبهم، والظرف في قوله: ﴿إِذْ جاءَهُمْ﴾ متعلق بذلك القول المحذوف، أو بـ ﴿اسأل﴾؛ أي: حين جاء موسى بني إسرائيل، وفرعون وقومه.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ بصيغة الأمر لرسول الله - ﷺ -، أو لموسى عليه السلام، كما مر تفصيله، وقرأ ابن عبّاسٍ، وابن نهيك (فسأل بني إسرائيل) على صيغة الماضي؛ أي: ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات، فسأل موسى فرعون أن يرسل معه بني إسرائيل إذ جاءهم... الخ.
١٠٢ - ﴿قالَ﴾ موسى لفرعون، والله ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ﴾ يا فرعون ﴿ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ﴾؛ أي: ما أنزل علي هذه الآيات التسع التي أريتكها، وأوجدها ﴿إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ ومالكهما حالة كونها ﴿بَصائِرَ﴾؛ أي: دلالات يستدل بها على قدرة الله تعالى، ووحدانيته، وحجة لي على حقيقة ما أدعوك إليه، وشاهدة لي على
(٢) زاد المسير.