يؤتيني ﴿خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ﴾ هذه في الآخرة بسبب إيماني، لأن الجنة الدنيوية فانية، والأخروية باقية، والجملة جواب الشرط ﴿وَيُرْسِلَ عَلَيْها﴾؛ أي: على جنتك في الدنيا ﴿حُسْبانًا﴾؛ أي: عذابًا يرميها به ﴿مِنَ السَّماءِ﴾ من برد أو صاعقة أو نار قال في «القاموس» الحسبان: بالضم جمع حساب، والعذاب، والبلاء، والشّرّ، والصّاعقة، وإنما توقع (١) في حقه العذاب لعلمه بأنّ الكفران مؤد إلى الخسران، وأن الإعجاب سبب للخراب كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ﴾ فكلامه هذا جواب عن قول صاحبه المنكر للبعث: ﴿ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَدًا﴾. ﴿فَتُصْبِحَ﴾ الإصباح هنا بمعنى الصيرورة؛ أي: فتصير جنتك ﴿صَعِيدًا زَلَقًا﴾؛ أي: أرضًا ملساء لا نبات فيها، بحيث تزلق الرجل فيها لكفرك، ف زَلَقًا مصدر أريد به المفعول مبالغة؛ أي: فتصبح جنتك بعد إرسال الله عليها حسبانًا أرضًا ملساء تزلق فيها الأقدام لملاستها، باستئصال نباتها وأشجارها، وجوز القرطبي أن يكون ﴿زَلَقًا﴾ من زلق رأسه، إذا حلقه، والمراد: أنه لا يبقى فيها نبات كالرأس المحلوق، فـ ﴿زَلَقًا﴾ بمعنى مزلوق أيضًا
٤١ - ﴿أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها﴾؛ أي: ماء جنّتك معطوفة على الجملة التي قبلها ﴿غَوْرًا﴾؛ أي: غائرًا داخلًا في الأرض ذاهبا فيها، لا تناله الأيدي، ولا الدلاء، فأطلق هذا المصدر مبالغة.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿غَوْرًا﴾ بفتح الغين، وقرأ البرجمي ﴿غورا﴾ بضم الغين، وقرأت فرقة بضم الغين، وهمز الواو، ويعنون بواو بعد الهمزة فيكون ﴿غؤورا﴾ كما جاء في مصدر غارت عينه ﴿غؤورا﴾ ﴿فَلَنْ تَسْتَطِيعَ﴾؛ أي: فلن تقدر ﴿لَهُ﴾؛ أي: للماء الغائر، ﴿طَلَبًا﴾ فضلًا عن وجدانه ورده، قال في «الجلالين»: لا يبقى له أثر تطلبه به؛ أي: لن تستطيع طلب الماء الغائر، فضلًا عن وجوده وردّه، ولا تقدر عليه بحيلة من الحيل، وقيل (٣): المعنى فلن تستطيع طلب غيره عوضًا عنه.
والمعنى: أي (٤) إن ترني أيها الرّجل أفقر منك فإني أرجو الله أن يقلب

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الشوكاني.
(٤) المراغي.


الصفحة التالية
Icon