الأغذية، وهي تنتهي إلى النبات، وهي إنما تحدث من امتزاج الماء والتراب.
والمعنى: أي ومن الأرض خلقنا النطفة المتولدة من الأغذية، التي تكونت منها بوسائط، إذ الغذاء إما حيواني، وإما نباتي، والحيواني: ينتهي إلى نباتي، والنبات إنما يحدث من امتزاج الماء التراب ﴿وَفِيهَا﴾؛ أي: وفي الأرض ﴿نُعِيدُكُمْ﴾ بعد مماتكم، فتصيرون ترابًا كما كنتم قبل نشأتكم، أو بالدفن (١) في الموضع الذي أُخذ ترابكم منه، وإيثار كلمة (في) دون (إلى): للدلالة على الاستقرار، والعود: الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه، إما انصراف بالذات، أو بالقول والعزيمة، وإعادة الشيء كالحديث وغيره تكريره.
﴿وَمِنْهَا﴾؛ أي: ومن الأرض ﴿نُخْرِجُكُمْ﴾ بعد مماتكم بالبعث والنشور، وتاليف أجزائكم المتفِّتة، المختلطة بالتراب، على الهيئة السابقة قبل الموت، ورد أرواحكم إليها ﴿تَارَةً أُخْرَى﴾؛ أي: مرةً أخرى، وكون (٢) هذا الإخراج ﴿تَارَةً أُخْرَى﴾ باعتبار أن خلقهم من الأرض: إخراج لهم منها، وإن لم يكن على نهج التارة الثانية، والتارة في الأصل: اسم للتور الواحد، وهو: الجريان، ثم أُطلق على كل فعلة واحدة من الفعلات المتجددة، كما مر في المَرَّة.
٥٦ - ﴿وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ﴾ أي: وعزتي وجلالي، لقد بصَّرنا فرعون وعرفناه ﴿آيَاتِنَا﴾ ودلائل قدرتنا، الدالة على وحدانيتنا، وعلى صدق موسى، على يدي موسى من العصا، واليد، وغيرهما، والمراد بالآيات: هي الآيات التسع المذكورة في قوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ﴾ على أن الإضافة فيه عهدية، وقيل (٣): المراد جميع الآيات التي جاء بها موسى، والتي جاء بها غيره من الأنبياء، وأن موسى قد كان عرَّفه جميع معجزاته ومعجزات سائر الأنبياء، والأوَّل أولى ﴿كُلَّهَا﴾؛ أي: كل الآيات تأكيد لشمول الأنواع ﴿فَكَذَّبَ﴾ بالآيات كلها من فرط عناده، من غير تردد وتأخير، وزعم أنها سحر ﴿وَأَبَى﴾ عن قبولها لعتوه، والإباء: شدة الامتناع، فكل إباء امتناع، وليس كل امتناع إباء، وهذا يدل على أن كفر فرعون كفر عناد؛ لأنه رأى
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.