مواضعها، ويتركها بعد نسف ما كان عليها من الجبال، وعبارة "أبي السعود" هنا: أي يتركها، والضمير إما للجبال باعتبار أجزائها السالفة الباقية بعد النسف، وهي مقارها ومراكزها؛ أي: فيذر ما انبسط منها وساوى مسطح أجزاء الأرض بعد نسف الشاهق منها، وإما الأرض المدلول عليها بقرينة الحال؛ لأنها الباقية بعد نسف الجبال، انتهت. ﴿قَاعًا﴾؛ أي: مكانًا فارغًا سهلًا مطمئنًا ﴿صَفْصَفًا﴾؛ أي: مستويًا، كأن أجزاءها على صف واحد من كل جهة، والظاهر من لغة العرب أن القاع: الموضع المنكشف البارز، والصفصف: المستوي الأملس،
١٠٧ - والخطاب (١) في قوله: ﴿لَا تَرَى فِيهَا﴾ لكل من يتأتى منه الرؤية، وهو استئناف مبين لكيفية القاع الصفصف؛ أي: لا ترى أيها المخاطب لا بالبصر ولا بالبصيرة فيها؛ أي: في مقار الجبال ومواضعها بعد نسفها ﴿عِوَجًا﴾؛ أي: انخفاضًا ﴿وَلَا أَمْتًا﴾؛ أي: ارتفاعاً يسيرًا، قال الزمخشري: الأمْتُ: النتوء اليسير.
والمعنى: أي (٢) ويسألك المشركون أيها الرسول، عن الجبال كيف تكون يوم القيامة، فقل مجيبًا لهم: يدكها ربي دكًا، ويصيِّرها هباءً تذروه الرياح، فيدع أماكنها من الأرض بعد نسفها ملساءً مستويةً، لا نبات فيها ولا بناء، ولا ارتفاع ولا انخفاض.
وخلاصة هذا: لا ترى في الأرض يومئذ واديًا ولا رابيةً، ولا مكانًا مرتفعًا ولا منخفضًا
١٠٨ - ﴿يَوْمَئِذٍ﴾؛ أي: يوم إذ نسفت الجبال، على إضافة اليوم إلى وقت النسف، وهو ظرف لقوله: ﴿يَتَّبِعُونَ﴾؛ أي: الناس ﴿الدَّاعِيَ﴾ الذي يدعوهم إلى الموقف والمحشر، وهو إسرافيل - عليه السلام - يدعو الناس عند النفخة الثانية قائمًا على صخرة بيت المقدس، كما قيل، ويقول: أيتها العظام البالية، والأوصال المتفرقة، واللحوم المتمزقة، قوموا إلى عرض الرحمن، فيقبلون من كل أوب صوبه؛ أي: من كل جانبٍ إلى جهته ﴿لَا عِوَجَ لَهُ﴾؛ أي: لا ميل ولا انحراف لهم عن دعائه؛ أي: لا يزيغون (٣) عنه يمينًا ولا شمالًا، بل يأتونه

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) الفتوحات.


الصفحة التالية
Icon