بقوله: ﴿أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى﴾ و (الهمزة) فيه للاستفهام التقريري، داخلة على محذوف معلوم من السياق، و (الواو): عاطفة على ذلك المحذوف (١)، والبينة: الدلالة الواضحة عقليةً كانت أو حسيةً، والمراد بها هنا: القرآن الذي فيه بيان للناس، و ﴿مَا﴾: عبارة عن العقائد الصحيحة وأصول الأحكام التي اجتمعت عليها كافة الرسل، والصحف: جمع صحيفة وهي التي يكتب فيها، وحروف التهجي صحيفة على حدة، مما أُنزل على آدم، والمراد بها: التوراة والإنجيل والزبور وسائر الكتب السماوية، وفيها التصريح بنبوته والتبشير به، ولذلك فإن هذه الكتب المنزلة هم معترفون بصدقها وصحتها، وفيها ما يدفع إنكارهم لنبوته، ويبطل تعنتاتهم وتعسفاتهم، والتقدير: ألم ياتهم سائر الآيات، ولم يأتهم القرآن الذي هو بيان ما في الصحف الأولى، من العقائد المحقة، وأصول الأحكام؛ أي: قد أتاهم آية هي أم الآيات وأعظمها في باب الإعجاز وهو: القرآن.
وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص: ﴿تأتهم﴾ بالتاء على لفظ بينة، وقرأ باقي السبعة، وأبو بحرية، وابن محيصن، وطلحة، وابن أبي ليلى، وابن مناذر، وخلف، وأبو عبيدة، وابن سعدان، وابن عيسى، وابن جبير الأنطاكي ﴿يأتهم﴾ بالياء لمجاز تأنيث الآية، والفصل، أو لأن البينة بمعنى البيان والبرهان، وقرأ الجمهور (٢): بإضافة ﴿بَيِّنَةُ﴾ إلى ﴿مَا﴾ وفرقة منهم أبو زيد عن أبي عمر بالتنوين و ﴿مَا﴾ بدل، وقرأت فرقة: بنصب ﴿بَيِّنَةُ﴾ والتنوين و ﴿مَا﴾ فاعل بـ ﴿تَأْتِهِمْ﴾ و ﴿بَيِّنَةُ﴾ نصب على الحال، فمن قرأ: ﴿يأتهم﴾ بالياء فعلى لفظ ﴿مَا﴾ ومن قرأ بالتاء راعى المعنى؛ لأنه أشياء مختلفة وعلوم من مضى، وما شاء الله، وقرأ الجمهور: ﴿فِي الصُّحُفِ﴾ بضم الحاء، وفرقة منهم ابن عباس بإسكانها.
١٣٤ - ثم بيَّن أنه لا عذر لهم في ترك الشرائع، وسلوك طرق الضلالة بوجه ما فقال: ﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ﴾؛ أي: أهلكنا كفار مكة في الدنيا، أو الكفرة ﴿بِعَذَابٍ﴾ مستأصل ﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾ متعلق بـ ﴿أَهْلَكْنَاهُمْ﴾؛ أي: من قبل محمد - ﷺ - أو من قبل
(٢) البحر المحيط.