أردف ذلك ببراءته من اتخاذ الولد فقال: ﴿وَقَالُوا﴾؛ أي: قال (١) فريق من هؤلاء المشركين، وهم بطون من خزاعة، وجهينة، وبني سلمة ﴿اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا﴾ من الملائكة، وادّعوا أنهم بنات الله، وأنه تعالى صاهر سروات الجن، فولدت له الملائكة، فردَّ الله تعالى عليهم بقوله: ﴿سُبْحَانَهُ﴾؛ أي: تنزيهًا له عن ذلك لأنَّ الولد لا بد أن يكون شبيهًا بالوالد، فلو كان له ولد لأشبهه، ولا مجانسة بين النعمة والمنعم، والخالق والمخلوق، وهو مقولٌ على ألسنة العباد؛ أي: سبحوه تسبيحه اللائق به. قال في "بحر العلوم" (٢): ويجوز أن يكون تعجبًا من كلمتهم الحمقاء؛ أي: ما أبعد من ينعم بجلائل النعم ودقائقها، وما أعلاه عما يضاف إليه من اتخاذ الولد، والصاحبة، والشريك. وقال في "الكشف": التنزيه لا ينافي التعجب.
ثم أضرب عن قولهم وأبطله فقال: ﴿بَلْ﴾ ليست الملائكة كما قالوا: بل هم ﴿عِبَادٌ﴾؛ مخلوقون له تعالى ﴿مُكْرَمُونَ﴾ مقرَّبون عنده، مفضَّلون على كثير من العباد، لا على كلهم، والمخلوقية تنافي الولادة؛ لأنها تقتضي المناسبة؛ فليسوا بأولاد، وإكرامهم لا يقتضي كونهم أولادًا كما زعموا
٢٧ - ﴿لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ﴾؛ أي: لا يتقدموفه بالقول، ولا بالفعل. صفة أخرى لـ ﴿عِبَادٌ﴾. وأصل (٣) السبق المتقدم في السير، ثم تجوِّز به في غيره من التقدم؛ أي: لا يقولون شيئًا حتى يقوله تعالى ويأمرهم لكمال انقيادهم وطاعتهم كالعبيد المؤدَّبين.
وقرأ عكرمة ﴿مُكْرَمُونَ﴾ بالتشديد. والجمهور بالتخفيف. وقرأ الجمهور ﴿لَا يَسْبِقُونَهُ﴾ بكسر الباء. وقرىء بضمها، من سابقني فسبقته أسبقه. ﴿وَهُمْ﴾؛ أي: الملائكة ﴿بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾؛ أي: كما أنهم يقولون بأمره كذلك يعملون بأمره، لا بغير أمره أصلًا، فالقصر المستفاد من تقديم الجار معتبر بالنسبة إلى
(٢) السمرقندي.
(٣) روح البيان.