مثلا ما بين بعوضة فما فوقها، نظير قولهم: له عشرون ما ناقة فجملا.
وقرأ الضحاك (١)، وإبراهيم بن أبي عبلة، ورؤبة بن العجاج، وقطرب ﴿بَعُوضَةً﴾ بالرفع، وهي لغة تميم. قال أبو الفتح: وجه ذلك: أنّ ﴿ما﴾ اسم بمنزلة الذي و ﴿بَعُوضَةً﴾ رفع على إضمار المبتدأ، ويجوز أن تكون ﴿ما﴾ استفهامية في محلّ الرفع بالابتداء، و ﴿بَعُوضَةً﴾ وما بعدها خبرها، وقيل غير ذلك.
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ وصدّقوا بالقرآن، وبما جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم، وهو محمد وأصحابه. والفاء؛ للدلالة على ترتيب ما بعدها على ما يدل عليه ما قبلها، كأنّه قيل: فيضربه فأما الذين آمنوا ﴿فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ﴾؛ أي: أنّ ضرب المثل بالبعوضة والذباب هو الأمر الْحَقُّ الثابت الذي لا يسوغ إنكاره حال كونه ﴿مِنْ رَبِّهِمْ﴾ لا من محمد، فلا يسوغ إنكاره؛ لأنّه ليس عبثا، بل هو مشتمل على الحكم والفوائد، فيؤمنون به. والجار والمجرور (٢) حال من الضمير المستكن في ﴿الْحَقُّ﴾، أو من الضمير العائد إلى المثل؛ أي: كائنا منه تعالى، فيتفكرون في هذا المثل الحقّ، ويوقنون أنّ الله هو خالق الكبير والصغير، وكلّ ذلك في قدرته سواء، فيؤمنون به.
والمعنى: أي (٣) فالمؤمنون يقولون: ما ضرب الله هذا المثل إلّا لحكم ومصالح اقتضت ضربه لها، وهي تقرير الحقّ، والأخذ به، فهو إنّما يضرب لإيضاح المبهم بجعل المعقولات تلبس ثوب المحسوسات، أو تفصيل المجمل لبسطه وإيضاحه.
﴿وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وجحدوا بما جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم وهم اليهود والمشركون، ﴿فـ﴾ يتعجّبون من ذلك المثل، و ﴿يقولون﴾ إنكارا له: ﴿ماذا﴾؛

(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon