ما يعود عليكم نفعه في الدنيا والآخرة من عبادة ربكم الذي خلقكم ورزقكم وتسبيحه بكرة وأصيلا.
وقرأ الجمهور (١): ﴿وَتَنْحِتُونَ﴾ بالتاء للخطاب، وكسر الحاء، وقرأ أبو حيوة وعيسى والحسن بفتح الحاء، وعن الحسن بألف بعد الحاء إشباعًا، وعن عبد الرحمن بن محمد عن أبيه ﴿ينحتون﴾ بالياء من أسفل وكسر الحاء، وعن أبي حيوة والحسن أيضًا ﴿ينحتون﴾ بالياء من أسفل وفتح الحاء، وقرأ عبد الله وابن عباس وزيد بن علي والكوفيون وابن عامر ﴿فَارِهِينَ﴾ بألف، وباقي السبعة بغير ألف، وقرأ مجاهد: ﴿متفرهين﴾ اسم فاعل من تفرّه، والمعنى: نشطين مهتمين.
١٥١ - وقوله: ﴿وَلَا تُطِيعُوا﴾ خطاب لجمهور قومه ﴿أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ﴾ وهم كبراؤهم ورؤساؤهم في الكفر والإضلال، وكان (٢) مقتضى الظاهر أن يقال: ولا تطيعوا المسرفين، بلا إقحام ﴿أَمْرَ﴾ فإن الطاعة إنما تكون للأمر - على صيغة الفاعل - كما أن الامتثال إنما يكون للأمر - على صيغة المصدر - فشبّه الامتثال بالطاعة من حيث إن كل واحد منهما يفضي إلى وجود المأمور به، فأطلق اسم المشبّه به وهو الطاعة، وأريد الامتثال؛ أي: لا تمتثلوا أمر المجاوزين للحد بالإشراك والإضلال. وقيل يعني التسعة الذين عقروا الناقة. وفي "النسفي": جعل الأمر مطاعًا على المجاز الإسنادي، والمراد الآمر، فكأنه قال: ولا تطيعوا المسرفين فيما أمروا به. أو المعنى (٣): ولا تطيعوا وتتبعوا المستكثرين من لذات الدنيا وشهواتها، بل اكتفوا واقتصروا منها بقدر الكفاف.
١٥٢ - ثم وصف المسرفين بقوله: ﴿الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: في أرض الحجر بالكفر والظلم، وهو وصف موضح لإسرافهم ﴿وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ بالإيمان والعدل عطف على ﴿يُفْسِدُونَ﴾ لبيان خلو إفسادهم عن مخالطة الإصلاح؛ أي:

(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٣) المراح.


الصفحة التالية
Icon