﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾؛ أي: من المخوفين مما يؤدي إلى عذاب الله من فعل أو ترك، وهو متعلق بـ ﴿نَزَلَ بِهِ﴾، مبين لحكمة الإنزال والمصلحة منه، وهذا من جنس ما يذكر فيه أحد طرفي الشيء، ويحذف الطرف الآخر لدلالة المذكور على المحذوف، وذلك أنه أنزله ليكون من المبشرين والمنذرين.
قال بعضهم: الإنذار أصل، وقدم لأنه من باب التخلية بالخاء المعجمة، فاكتفى بذكره في بعض المواضع من القرآن.
١٩٥ - ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥)﴾ متعلق أيضًا بـ ﴿نَزَلَ﴾ وتأخيره للاعتناء بأمر الإنذار. واللسان بمعنى اللغة؛ لأنه آلة التلفظ بها؛ أي: نزل به بلسان عربي ظاهر المعنى، واضح المدلول؛ لئلا يبقى لهم عذر ما؛ أي: لئلا يقولوا: ما نصنع بما لا نفهمه.
فالآية صريحة في أن القرآن إنما أنزل عليه عربيًا، لا كما زعمت الباطنية من أنه تعالى أنزله على قلبه غير موصوف بلغة ولسان، ثم إنه - ﷺ - أداه بلسانه العربي المبين من غير أن ينزل كذلك. وهذا فاسد مخالف للنص والإجماع، ولو كان الأمر كما قالوا.. لم يبق الفرق بين القرآن والحديث.
وفي الآية: تشريف للغة العرب على غيرها، حيث أنزل القرآن بها، لا بغيرها وقد سماها مبينًا. ولذلك اختار هذه اللغة لأهل الجنة، واختار لغة العجم لأهل النار. قال سفيان: بلغنا أن الناس يتكلمون يوم القيامة قبل أن يدخلوا الجنة بالسريانية، فإذا دخلوا الجنة تكلموا بالعربية.
فإن قلت: كيف (١) يكون القرآن عربيًا مبينًا مع ما فيه من سائر اللغات أيضًا على ما قالوا كالفارسية؛ وهو ﴿سِجِّيلٍ﴾ والرومية؛ وهو ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ والأرمينية؛ وهو ﴿فِي جِيدِهَا﴾ والسريانية؛ وهو ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ والحبشية؛ وهو ﴿كِفْلَيْنِ﴾؟
قلتُ: لما كانت العرب يستعملون هذه اللغات، ويعرفونها فيما بينهم صارت بمنزلة العربية. قال الفقيه أبو الليث: اعلم بأن العربية لها فضل على سائر