٣٦ - ثم ذكر طبيعة الإنسان وجبلته، إلا من عصمه الله فقال: ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ﴾؛ أي: إذا منحنا ورزقنا جنس الإنسان ﴿رَحْمَةً﴾؛ أي: خصبًا ونعمةً وعافيةً ﴿فَرِحُوا بِهَا﴾؛ أي: بتلك الرحمة فرح بطر وأشر لا فرح شكر بها وحمد عليها، وابتهاج بوصولها إليهم، وغرتهم الحياة الدنيا، وأعرضوا عن عبودية المولى.
﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾؛ أي: شدة من بلاءً وضيق مثلًا. ﴿بِمَا قَدَّمَتْ﴾؛ أي: بسبب شؤم ما قدمته واقترفته ﴿أَيْدِيهِمْ﴾ من المعاصي والذنوب، ﴿هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ وييئسون من رحمة الله تعالى؛ أي: فاجأهم القنوط واليأس من رحمة الله تعالى، والقنوط: اليأس من رحمة الله، كذا قال الجمهور، وقال الحسن: القنوط: ترك فرائض الله سبحانه، وقرأ الجمهور (١): ﴿يقنطون﴾ بضم النون. وقرأ أبو عمرو، والكسائي ويعقوب: بكسرها.
أي: إن الإنسان قد ركب في طبيعته الفرح والبطر حين تصيبه النعمة، كما حكى الله سبحانه عنه ﴿لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ﴾ وإذا أصابته شدة بجهله بسنن الحياة، وعصيانه أوامر الدين.. قنط من رحمة الله، وآيس منها، فهو كما قيل:
كَحِمَارِ السُّوْءِ إِنْ أعْلَفْتَهُ | رَمَحَ النَّاسَ وَإِنْ جَاعَ نَهَقْ |
٣٧ - ثم أنكر عليهم ما يلحقهم من اليأس والقنوط لدى الضراء فقال: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ ﴿الهمزة﴾: للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف، و ﴿الواو﴾: عاطفة على ذلك المحذوف والتقدير: ألم يشاهد الناس؛ أي: أهل مكة، ولم يعلموا ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾ الرزاق ﴿يَبْسُطُ الرِّزْقَ﴾ ويوسعه ﴿لِمَنْ يَشَاءُ﴾ أن يوسع عليه من