يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا".
٤٠ - والظرف في قوله: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ﴾ منصوب باذكر مقدرًا، أو متصل بقوله: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ﴾؛ أي: ولو تراهم أيضًا يوم نحشرهم جميعًا للحساب العابد والمعبود، والمستكبر والمستضعف؛ أي: واذكر يا محمد لقومك يوم يحشر الله؛ أي: يجمع المستكبرين والمستضعفين، وما كانوا يعبدون من دون الله حال كونهم ﴿جَمِيعًا﴾؛ أي: مجتمعين لا يشذ منهم أحد ﴿ثُمَّ يَقُولُ﴾ سبحانه ﴿لِلْمَلَائِكَةِ﴾ توبيخًا للمشركين العابدين، وإقناطًا لهم من شفاعتهم، كم زعموا، وقرأ الجمهور: ﴿نحشرهم﴾، ﴿نقول﴾ بالنون فيهما، وحفص بالياء، ذكره أبو حيان.
﴿أَهَؤُلَاءِ﴾ الكفار ﴿إِيَّاكُمْ﴾ يا ملائكتي ﴿كَانُوا يَعْبُدُونَ﴾ في الدنيا، وهذا استفهام تقريع وتقرير للكفار، و ﴿إِيَّاكُمْ﴾ منصوب بـ ﴿يَعْبُدُونَ﴾، وتخصيص الملائكة مع أنَّ بعض الكفار قد عبد غيرهم من الشياطين والأصنام؛ لأنهم أشرف معبودات المشركين.
٤١ - ﴿قَالُوا﴾؛ أي: الملائكة متنزهين عن ذلك، وهو استئناف بياني، ﴿سُبْحَانَكَ﴾؛ أي: تنزيهًا لك عن الشرك ﴿أَنْتَ وَلِيُّنَا﴾؛ أي: أنت الذي نواليه ونطيعه ونعبده ﴿مِنْ دُونِهِمْ﴾؛ أي: من دون المشركين ما اتخذناهم عابدين، ولا توليناهم، وليس لنا غيرك وليًا، أي: نحن نتولاك ولا نتولاهم، فبيَّنوا بإثبات موالاة الله، ومعاداة الكفار براءتهم من الرضا بعبادتهم لهم، ثم أضربوا عن ذلك، ونفوا أنهم عبدوهم حقيقة بقولهم: ﴿بَلْ كَانُوا﴾؛ أي: بل كان هؤلاء المشركون في الدنيا من جهلهم وغوايتهم، ﴿يَعْبُدُونَ الْجِنَّ﴾؛ أي: الشياطين؛ حيث أطاعوهم في عبادة غير الله تعالى، وقيل: كانوا يتمثلون لهم ويتخيلون أنهم الملائكة فيعبدونهم، وعبَّر عن الشياطين بالجن؛ لاستتارهم عن الحواس، ولذا أطلقه بعضهم على الملائكة أيضًا، وجزم الكرماني: بأنهم عبدوا الجن كما عبدوا الشياطين، فإذًا الكلام على ظاهره، فلا حاجة إلى التأويل. ﴿أَكْثَرُهُمْ﴾؛ أي: أكثر المشركين، قيل: الأكثر (١) هاهنا بمعنى الكل، والضمير للمشركين، كما هو الظاهر من السياق؛ أي: كل المشركين، وقال بعضهم: الضمير للإنس، والأكثر على معناه؛ أي: أكثر الإنس،