ولا حساب ولا جنة ولا نار. ﴿مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ من الصدق، أو عن الحق والصواب، أو أنهم قد كانوا يرجمون بالظن الكاذب، ويتكلمون بما لم يظهر لهم في حق الرسول من الطاعن، أو العذاب من قطع القول بنفيه، كما قالوا: وما نحن بمعذبين ﴿مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾؛ أي: من جهة بعيدة عن حاله - ﷺ -؛ حيث ينسبونه إلى الشعر والسحر والكهانة والكذب، ولعله تمثيل لحالهم في ذلك بحال من يرمي شيئًا لا يراه من مكان بعيد، لا مجال للظن في لحوقه، فالباء في ﴿بِالْغَيْبِ﴾ بمعنى: في؛ أي: في محل غائب عن نظرهم، أو للملابسة. اهـ "شهاب".
وإما معطوف على ﴿قَالُوا﴾؛ أي: ويقولون: آمنا به، ويقذفون بالغيب الخ، بناء على أنه تمثيل لحالهم بحال القاذف في تحصيل ما ضيّعوه من الإيمان في الدنيا.
وقيل: هو مستأنف؛ أي: يتلفظون بكلمة الإيمان حين لا ينفع نفسًا إيمانها، فمثّلت حالهم في طلبهم تحصيل ما عطّلوه من الإيمان في الدنيا بقولهم: آمنّا في الآخرة، وذلك مطلب مستبعد بحال من يقذف شيئًا من مكان بعيد، لا مجال للنظر في لحوقه حيث يريد أن يقع فيه، لكونه غائبًا عنه بعيدًا.
وقرأ الجمهور (١): ﴿وَيَقْذِفُونَ﴾ مبنيًا للفاعل على حكاية حال ماضية، وقرأ مجاهد وأبو حيوة ومحبوب عن أبي عمرو: ﴿وَيَقْذِفُونَ﴾ مبنيًا للمفعول، قال مجاهد: ويرجمهم بما يكرون من السماء، وقال الزمخشري: أي: يأتيهم به؛ أي: بالغيب شياطينهم، ويلقِّنونهم إياه، صوقيل: يرمون في النار، وقال أبو الفضل الرازي: يرمون بالغيب من حيث لا يعلمون، ومعناه: يجازون بسوء أعمالهم، ولا علم لهم بما أتاهم.
٥٤ - ﴿وَحِيلَ﴾؛ أي: حجز ﴿بَيْنَهُمْ﴾؛ أي أوقعت الحيلولة والمنع بين هؤلاء الكفار ﴿وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾ ويحبّون من نفع الإيمان يومئذ، والنجاة به من النار، والفوز بالجنة، وقيل: حيل بينهم وبين ما يشتهون في الدنيا من أموالهم وأهليهم، أو حيل بينهم وما يشتهون من الرجوع إلى الدنيا، كما حكي عنهم بقوله: ﴿فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا﴾. ﴿كَمَا فُعِلَ﴾ ذلك المنع والحيلولة ﴿بِأَشْيَاعِهِمْ﴾؛ أي: بمن