دينه، ودعا فيه حيث قال: ﴿رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ كذا قال الفراء والكلبي وغيرهما، ولا يخفى ما في هذا من الضعف والمخالفة للسياق.
٨٤ - والظرف في قوله: ﴿إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٤)﴾ منصوب بفعل محذوف، تقديره: اذكر يا محمد لقومك قصةً إذ أقبل إبراهيم إلى طاعة ربه بقلب خالص من الشرك والشك. وقيل: من الغل، والغش، والحقد، والحسد يحب للناس ما يحب لنفسه، وقيل: خالص من جميع آفات القلوب، وقيل: سليم من العلائق بما في الكونين، ومعنى مجيئه به ربه: إخلاصه له، كأنه جاء به متحضنًا إياه بطريق التمثيل، وإلا فليس القلب مما ينقل من مكان إلى مكان حتى يجاء به، وفي الشوكاني: ومعنى مجيئه إلى ربه يحتمل وجهين:
أحدهما: عند دعائه إلى توحيده وطاعته.
والثاني: عند إلقائه في النار. وقيل: الظرف متعلق بما في الشيعة من معنى المشايعة؛ أي: تابعه إذ جاء ربه بقلب سليم، واعترضه أبو حيان بلزوم الفصل بينه وبين معموله بأجنبي، وهو قوله: ﴿لَإِبْراهِيمَ﴾ وبلزوم عمل ما قبل اللام الابتدائية فيما بعدها، وأجيب: بأنه يتوسع في الظروف ما لا يُتوسع في غيرها.
ومعنى قوله: ﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ...﴾ إلخ؛ أي (١): وإنّ ممن سار على نهج نوح، وسلك طريقه في اعتقاد التوحيد والبعث، والتصلب في دين الله، ومصابرة المكذبين، إبراهيم الخليل، صلوات الله وسلامه عليه، ﴿إِذْ جاءَ رَبَّهُ...﴾ إلخ؛ أي: إذا أخلص قلبه لربه، وجعله خاليا من كل شؤون الحياة الدنيا، فلا غش لديه، ولا حقد، ولا شيء مما يشينه من العقائد الزائفة، والصفات القبيحة.
٨٥ - ثم فصّل ما سلف، فقال: ﴿إِذْ قالَ﴾ والظرف بدل من ﴿إِذْ﴾ الأولى، أو متعلق بـ ﴿سَلِيمٍ﴾؛ أي: اذكر إذ قال، أو جاء ربه بقلب سليم حين قال: ﴿لِأَبِيهِ﴾ آزر بن باعر بن ناحور بن فالغ بن صالح بن أرفخشد بن سام بن نوح ﴿وَقَوْمِهِ﴾ وكانوا عبدة الأصنام ﴿ماذا تَعْبُدُونَ﴾ استفهام إنكار وتوبيخ؛ أي: أي شيء

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon