أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا علمت أن النصرة والغلبة لك ولأتباعك، وأردت بيان ما هو الأصلح لك: فأقول لك: تول عنهم؛ أي: أعرض عن كفار مكة، واصبر على أذاهم ﴿حَتَّى حِينٍ﴾؛ أي: إلى مضي زمن معلوم عند الله، ومدة يسيرة تؤمر بعدها بجهادهم. فكان - ﷺ - أول الأمر مأمورًا بالتبليغ والإنذار، والصبر على أذى الكفار، تأليفًا لهم، ثم أمر بالجهاد في السنة الثانية من الهجرة، وهي مدة الكف عن القتال، قال السدي ومجاهد: حتى نأمرك بالقتال. وقيل: إلى يوم بدر. وقيل: إلى يوم فتح مكة، فالآية محكمة لا منسوخة بآية القتال، وقيل: الآية منسوخة بآية السيف.
١٧٥ - ﴿وَأَبْصِرْهُمْ﴾ يا محمد، وانظر إليهم على أسوأ حال وأفظع نكال، حل بهم من القتل والأسر، والمراد بالأمر بإبصارهم: الإيذان بغاية قربه، كأنه بين يديه يبصره في الوقت، وإلا فمتعلق الإبصار لم يكن حاضرا عند الأمر ﴿فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ ما يقع بهم. و ﴿سوف﴾ للوعيد، لا للتبعيد، أو فسوف يبصرون ما قضينا لك من التأييد، والنصرة، والثواب في الآخرة، أو انظر إليهم إذا عذبوا، فسوف يبصرون ما أنكروا، أو أعلمهم فسوف يعلمون.
والمعنى (١): أي وانظر وارتقب ما يحل بهم من العذاب والنكال، بمخالفتك وتكذيبك، وسوف يبصرون انتشار دينك، وإقبال الناس عليه أفواجًا زرافات ووحدانًا، مصداقًا لوعده بقوله: ﴿إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجًا (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّابًا (٣)﴾. وفي «التأويلات النجمية»: فسوف يبصرون جزاء ما عملوا من الخير والشر، انتهى. و ﴿سوف﴾ للوعيد، ليتوبوا ويؤمنوا دون التبعيد؛ لأن تبعيد الشيء المحذر منه كالمنافي لإرادة التخويف به.
١٧٦ - ولما نزل قوله: ﴿فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ قالوا استعجالًا، واستهزاء لفرط جهلهم: متى هذا؟ فنزل قوله: ﴿أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (١٧٦)﴾ والهمزة (٢): للاستفهام الإنكاري التعجبي، داخلة على محذوف، والفاء: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير؛ أي: أبعد هذا التكرير من الوعيد ينكرون
(٢) روح البيان.