وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هذا ذكر من مضى من الأنبياء، وفي «التأويلات النجمية»: ﴿هَذَا﴾؛ أي: القرآن فيه ذكر ما كان، وذكر الأنبياء وقصصهم، لتعتبر بهم، وتقتدي بهم، وهذا أسلوب يذكر للانتقال من كلام إلى آخر. كما يقول الجاحظ في كتبه: فهذا باب، ثم يشرع في باب آخر، ويقول الكاتب، إذا فرغ من فصل من كتابه، وأراد الشروع في آخر: هذا، وكان كيت وكيت، وعلى هذا جاء قوله: ﴿هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (٥٥)﴾ كما سيأتي بعد.
﴿وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ﴾ الذين يتقون الله لا ما سواه، وذلك، لأن جنات عدن مقام أهل الخصوص ﴿لَحُسْنَ مَآبٍ﴾ ومرجع في الآخرة، مع ما لهم في الدنيا من الثناء الجميل، وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف؛ أي: مآبًا حسنًا، والمآب: المرجع. والمعنى: أنهم يرجعون في الآخرة إلى مغفرة الله، ورضوانه، ونعيم جنته.
٥٠ - ثم بيّن حسن المرجع، فقال: ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ عطف بيان لحسن مآب، وأصل العدن في اللغة: الإقامة، ثم صار علمًا بالغلبة على تلك الجنة، وقيل: هو اسم لقصر في الجنة.
قرأ الجمهور (١): ﴿جَنَّاتِ﴾ بالنصب بدلًا من ﴿حسن مآب﴾، سواء كان جنات معرفة أو نكرة؛ لأن المعرفة تبدل من النكرة وبالعكس، ويجوز أن يكون ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ عطف بيان إن كانت نكرة، ولا يجوز ذلك فيها، إن كانت معرفة على مذهب جمهور النحاة، وقد جوزه بعضهم، ويجوز أن يكون نصب ﴿جَنَّاتِ﴾ بإضمار فعل تقديره: سيدخلون جنات. وقرأ زيد بن علي، وعبد الله بن رفيع، وأبو حيوة ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً﴾ برفع التائين مبتدأ وخبرا، أو كل منهما خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو جنات عدن هي مفتحة.

(١) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon