جمع شر، وهو الذي يرغب عنه الكل، يعنون: فقراء المسلمين كانوا يسترذلونهم، ويسخرون منهم مثل: صهيب الرومي، وبلال الحبشي، وسلمان الفارسي، وخباب، وعمار - رضي الله عنهم - وغيرهم من صعاليك المهاجرين، الذين كانوا يقولون لهم: ﴿أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا﴾، سموهم أشرار، إما بمعنى الأراذل والسفلة الذين لا خير فيهم، ولا جدوى، كما يقال: هذا من شر المتاع، أو لأنهم كانوا على خلاف دينهم، فكانوا عندهم أشرارًا.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريدون أصحاب محمد - ﷺ -، يقول أبو جهل وأضرابه: أين بلال، أين صهيب، أين عمار، أولئك في الفردوس، وا عجبا لأبي جهل، مسكين أسلم ابنه عكرمة، وابنته جويرية، وأسلمت أمه، وأسلم أخوه، وكفر هو. قال:

وَنُوْرًا أَضَاءَ الأَرْضَ شَرْقًا وَمَغْرِبًا وَمَوْضِعُ رِجْلِيْ مِنْهُ أَسْوَدُ مُظْلِمُ
٦٣ - ثم سألوا عن السبب في عدم رؤيتهم، فقالوا: ﴿أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا﴾ بقطع (١) الهمزة على أنها استفهام، والأصل: أاتخذناهم، حذفت همزة الوصل، للاستغناء عنها بهمزة الاستفهام. و ﴿سِخْرِيًّا﴾ بضم السين وكسرها مصدر سخره، زيد فيه ياء النسبة للمبالغة؛ لأن في ياء النسبة زيادة قوة في الفعل، كما قيل: الخصوصية في الخصوص. قالوه إنكارا على أنفسهم، ولوما لها في الاستسخار منهم. فمعنى الاستفهام: الإنكار، والتوبيخ، والتعنيف، واللوم؛ أي: ألأجل أنا قد اتخذناهم في الدنيا سخريا، ولم يكونوا كذلك لم يدخلوا النار. ﴿أَمْ﴾ هم معنا في النار، ولكن ﴿زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ﴾ ومالت، ولم تقع عليهم أبصارنا. و ﴿أم﴾ متصلة معادلة ﴿لاتخذناهم﴾، وفي هذا إنكار على أنفسهم، وتأنيب لها على استسخارهم منهم في الدنيا.
والخلاصة (٢): أن الكفار حين دخلوا النار، ونظروا في جوانبها، ولم يروا المؤمنين، الذين كانوا يسخرون منهم في الدنيا تناجوا، وقالوا: ما بالنا؟ لا نرى
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon