أحدًا غيره، مخلصًا له دينه؛ لأن قوله: ﴿أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ﴾ لا يفيد الحصر، وقوله: ﴿اللَّهَ أَعْبُدُ﴾ يفيد الحصر. والمعنى: الله أعبد ولا أعبد أحدًا غيره.
والحاصل: أنه سبحانه أمر رسوله - ﷺ - (١):
أولًا: بأن يخبرهم بأنه مأمور بالعبادة والإخلاص فيها.
وثانيًا: بأن يخبرهم بأنه مأمور، بأن يكون أول من أسلم وأطاع وانقاد.
وثالثًا: بأن يخبرهم بخوفه من العذاب، على تقدير العصيان.
١٥ - ورابعًا: بأن يخبرهم، بأنه امتثل الأمر وانقاد وعبد الله تعالى، وأخلص له الدين، على أبلغ وجه وآكده، إظهارا لتصلبه في الدين، وحسمًا لأطماعهم الفارغة، وتمهيدًا لتهديدهم بقوله: ﴿فَاعْبُدُوا...﴾ إلخ؛ أي: قد امتثلت أنا ما أمرت به، فاعبدوا يا معشر المشركين ﴿ما شِئْتُمْ﴾ قال في «الإرشاد»: وفيه من الدلالة على شدة الغضب عليهم ما لا يخفى، كأنهم لما لم ينتهوا عما نهوا عنه، أمروا به كي يحل بهم العقاب.
ولما قال المشركون: خسرت يا محمد، حيث خالفت دين آبائك، قال تعالى: ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهم: ﴿إِنَّ الْخاسِرِينَ﴾؛ أي: الكاملين في الخسران، الذي هو عبارة عن إضاعة ما يهمه، وإتلاف ما لا بد منه، هم ﴿الَّذِينَ﴾ فالجملة من الموصول، والصلة خبر ﴿إِنَّ﴾ ﴿خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ بالضلال واختيار الكفر لها؛ أي: أضاعوها، وأتلفوها إتلاف البضاعة، فقوله: ﴿أَنْفُسَهُمْ﴾ مفعول ﴿خَسِرُوا﴾. ﴿وَأَهْلِيهِمْ﴾ بالضلال، واختيار الكفر لهم أيضًا ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ يوم يدخلون النار بدل الجنة، حيث عرّضوهما للعذاب السرمدي، وأوقعوهما في هلكة لا هلكة وراءها. ﴿أَلا﴾ انتبهوا، واستمعوا ﴿ذلِكَ﴾ الخسران ﴿هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ﴾؛ أي: الظاهر الجلي، حيث استبدلوا بالجنة نارًا، وبالدرجات دركات، كما في «كشف الأسرار»، وفي «التأويلات النجمية»: الخاسر في الحقيقة، من خسر دنياه بمتابعة

(١) أبو السعود.


الصفحة التالية
Icon