التوبيخ والتأنيب: ﴿أَلَيْسَ هَذَا﴾ العذاب الذي ترونه ﴿بِالْحَقِّ﴾؛ أي: حقًّا، وكنتم تكذّبون به، وفيه تهكّم بهم، وتوبيخ لهم على استهزائهم بوعد الله، ووعيده، وقولهم: وما نحن بمعذَّبين، وفي الاكتفاء (١) بمجرّد الإشارة من التهويل للمشار إليه، والتفخيم لشأنه ما لا يخفى، كأنّه أمر لا يمكن التعبير عنه بلفظ يدلّ عليه ﴿قَالُوا بَلَى﴾؛ أي: إنه الحقّ ﴿وَرَبِّنَا﴾؛ أي: أقسمنا بربّنا ومالك أمرنا على حقّيته، أكدوا جوابهم بالقسم؛ لأنّهم يطمعون في الخلاص بالاعتراف بحقّيته الآن كما في الدنيا، وأنَّى لهم ذلك.
والمعنى (٢): أي ويوم يعرض هؤلاء المكذّبون بالبعث، وبثواب الله لعباده على أعمالهم الصالحة، وعقابه إيّاهم على أعمالهم السيئة على نار جهنم، يقال لهم على سبيل التأنيب والتوبيخ: أليس هذا العذاب الذي تُعَذَّبونه اليوم، وقد كنتم تكذّبون به في الدنيا بالحقّ الذي لا شكّ فيه؟ قالوا من فورهم: بلى وربّنا إنه لحق.
﴿قَالَ﴾ الله تعالى أو خازن النار: ﴿فَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾؛ أي: أحسوا به إحساس الذائق المطعوم ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ به في الدنيا. و ﴿الباء﴾: للسببية، ومعنى الأمر: الإهانة بهم، والتوبيخ لهم على ما كان منهم في الدنيا، من الكفر والإنكار لوعد الله ووعيده، قال ابن الشيخ: الظاهر: أنّ صيغة الأمر لا مدخل لها في التوبيخ، وإنما هو مستفاد من قوله: ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾؛ أي: قال آمرًا لهم على طريق الإهانة والتوبيخ: ذوقوا عذاب النار الآن، جزاء جحودكم به في الدنيا، وإبائكم الاعتراف به، إذا دعيتم للتصديق به.
٣٥ - ولمّا قرّر التوحيد والنبوّة والبعث، وأجاب عن شبهاتهم.. أردف ذلك بما يجرى مجرى العظة والنصيحة لنبيّه؛ لأنّ الكفّار كانوا يؤذونه، ويوغرون صدره، فقال: ﴿فَاصْبِرْ﴾ و ﴿الفاء﴾ فيه: فاء الفصيحة؛ لأنّها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت عاقبة الكفرة، وأنه لم ينجح فيهم الإنذار، وأردت بيان

(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon