فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شابًا، عليهم السلاح، فثاروا في وجوهنا، فدعا عليهم رسول الله - ﷺ -، فأخذ الله بأبصارهم، فقمنا إليهم فأخذناهم، فقال رسول الله - ﷺ -: "هل جئتم في عهد أحد؟ وهل جعل لكم أحد أمانًا؟ " فقالوا: لا، فخلى سبيلهم، فأنزل الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ﴾ الآية.
﴿وَكَانَ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا﴾؛ أي: بأعمالكم وأعمالهم، بصيرًا لا يخفى عليه شيء منها، وهو مجازيكم، ومجازيهم بها.
وقرأ الجمهور (١): ﴿بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ على الخطاب؛ أي: من مقاتلتكم وهزمكم إياهم أولًا طاعة لرسوله، وكفّكم عنهم ثانيًا؛ لتعظيم بيته الحرام، وصيانة أهل الإِسلام. ﴿بَصِيرًا﴾؛ أي: عالمًا لا يخفى عليه شيء، فيجازيكم بذلك، وقرأ أبو عمرو: بالياء، وهو تهديد للكفار.
٢٥ - ﴿هُمُ﴾؛ أي: قريش الأقوام ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بالله ورسوله ﴿وَصَدُّوكُمْ﴾؛ أي: منعوكم ﴿عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾؛ أي: عن أن تطوفوا بالبيت ﴿و﴾ صدّوا ﴿الْهَدْيَ﴾ وهو بالنصب عطف على الضمير المنصوب في ﴿صَدُّوكُمْ﴾ والهدي بسكون الدال: (٢) جمع هدية، كتمر وتمرة، وجدي وجدية، وهو: مختص بما يهدى إلى البيت تقرّبًا إلى الله تعالى من النعم، أيسره: شاة، وأوسطه: بقرة، وأعلاه: بدنة، ويجوز تشديد الياء، فيكون جمع هديّة.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿الْهَدْيَ﴾ بالنصب، عطفًا على الضمير في: ﴿صدّوكم﴾، وقرأ أبو عمرو في رواية عنه. ﴿الهدي﴾ بالجر عطفًا على ﴿الْمَسْجِدِ﴾ ولا بد من تقدير مضاف؛ أي: وعن نحو الهدي، وقرىء: بالرفع على تقدير: وصد الهدي، وقرأ الجمهور: ﴿الهدي﴾ بفتح الهاء وسكون الدال، وهي لغة قريش، وقرأ ابن هرمز والحسن وعصمة عن عاصم واللؤلؤيّ وخارجة عن
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط والشوكاني.