والمعنى: أي لهم إجابة لسؤالهم كل ما يشتهون، ثم نزيدهم فوق ما سألوا مما لم تره أعينهم، ولم يدر بخلدهم، ونحو الآية قوله: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾.
٣٦ - ثم خوف الله سبحانه أهل مكة، ومن دان دينهم بما وقع للأمم الماضية، فقال: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا﴾: خبرية بمعنى عدد كثير، وقعت مفعول ﴿أَهْلَكْنَا﴾. و ﴿مِنْ قَرْنٍ﴾ مميزها ومبين لإبهامها ﴿قَبْلَهُمْ﴾؛ أي قبل أهل مكة ﴿مِنْ قَرْنٍ﴾؛ أي: من أمة؛ أي: وكثيرًا من القرون الذين كذبوا رسلهم أهلكنا قبل قومك يا محمد. ﴿هُمْ﴾؛ أي: أولئك القرون ﴿أَشَدُّ﴾ وأقوى ﴿مِنْهُمْ﴾؛ أي: من أهل مكة ﴿بَطْشًا﴾؛ أي: أخذًا وبأسًا، كعاد وثمود وفرعون، ومحل الجملة: النصب على أنها صفة لكم، وفيه إشارة إلى إهلاك النفوس المتمردة في القرون الماضية إظهارًا لكمال القدرة والحكمة البالغة، لتتأدب به النفوس القابلة للخير، وتتعظ به القلوب السليمة.
وقوله: ﴿فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ﴾ معطوف على ﴿أَهْلَكْنَا﴾ فـ ﴿الفاء﴾ (١) لمجرد العطف والتعقيب، من نقب في الأرض إذا ذهب وطاف في أرجائها؛ أي: وكم أهلكنا قبل قومك يا محمد من الأمم المكذبة لرسلها، الموصوفين بشدّة البطش والقوّة، فساروا في البلاد، وطافوا في أرجاء الأرض هربًا من عذابنا حين رأوا أمارته، حال كونهم قائلين: ﴿هَلْ﴾ لنا ﴿مِنْ مَحِيصٍ﴾؛ أي: هل لنا من مفرّ ومهرب ومخلص من أمر الله وعذابه، أو من الموت، فلم يجدوا مفرًّا ولا مهربًا، فـ ﴿مَحِيصٍ﴾: مبتدأ خبره: مضمر، وهو لهم. و ﴿مِنْ﴾: زائدة، والجملة مقول لقول محذوف وقع حالًا من فاعل ﴿نقَّبوا﴾.
ويجوز أن يراد: فنقب أهل مكة، وجالوا في أسفارهم، ومسايرهم للتجارة في بلاد القرون، فهل رأوا لهم محيصًا حتى يؤملوا مثله لأنفسهم، ويحتمل أن تكون ﴿الفاء﴾: سببية، عاطفة على جملة ﴿هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا﴾؛ أي: دالّةً على

(١) روح البيان بتصرف.


الصفحة التالية
Icon