قال: أتركت دين الأشياخ، وضللتهم، وزعمت أنهم في النار؛ قال: إني خشيت عذاب الله، قال: أعطني شيئًا، وأنا أحمل كل عذاب كان عليك، فأعطاه شيئًا، فقال: زدني، فتعاسرا حتى أعطاه، وكتب كتابًا وأشهد له. ففيه نزلت هذه الآية: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣) وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (٣٤)﴾.
قوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (٦١)﴾ سبب نزولها: ما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كانوا يقرون على رسول الله - ﷺ - وهو يصلي شامخين، فنزلت: ﴿وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (٦١)﴾.
التفسير وأوجه القراءة
٣٣ - ولما بين سبحانه جهالة المشركين على العموم خصَّ بعضهم بالذم، فقال: ﴿أَفَرَأَيْتَ﴾ يا محمد، أو أيها المخاطب؛ أي: هل أخبرت، وعلمت يا محمد ﴿الَّذِي تَوَلَّى﴾؛ أي: شأن وحال الذي تولى عن الخير، وأعرض عن اتباع الحق. فالفاء استئنافية، والهمزة للاستفهام التقريري.
٣٤ - ﴿وَأَعْطَى﴾، لمن يتحمل عنه الأوزار شيئًا ﴿قَلِيلًا﴾ من ماله أو إعطاه قليلًا. ﴿وَأَكْدَى﴾؛ أي: قطع عطاءه عنه، وأمسك بخلًا.
٣٥ - والاستفهام في قوله: ﴿أَعِنْدَهُ﴾؛ أي: هل عند ذلك المتولي ﴿عِلْمُ الْغَيْبِ﴾؛ أي: علم ما غاب عنه من أمر العذاب للإنكار.
والفاء في قوله (١): ﴿فَهُوَ يَرَى﴾ سببية. والرؤية قلبية؛ أي: هل عنده علم بالأمور الغيبية التي من جملتها تحمل صاحبه عنه يوم القيامة. فهو يعلم أن صاحبه يتحمل عنه. قال ابن الشيخ: أرأيت بمعنى أخبرت، و ﴿أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ﴾ مفعوله الثاني؛ أي: هل أخبرت، وعلم يا محمد هذا المعطي المكدي هل عنده علم ما غاب عنه من أحوال الآخرة؟ فهو يعلم أن صاحبه يتحمل أوزاره على أن قوله: ﴿يَرَى﴾، بمعنى يعلم، حذف مفعولاه لدلالة المقام عليهما. وقيل: الهمزة في قوله: ﴿أَفَرَأَيْتَ﴾ للاستفهام التقريري، داخلة على محذوف، والفاء: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أفكرت يا محمد في حال بعض المعاندين فرأيت الذي تولى وأعطى قليلًا وأكدى هل عنده علم الغيب فهو يرى أن صاحبه يتحمل عنه أوزاره؛

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon