كانت ما كانت، فكيف بهذه النعم الجليلة، والمنن الجزيلة؟
٦٠ - ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (٦٠)﴾؛ أي: ما جزاء الإحسان في العمل إلا الإحسان في الثواب، واعلم أن ﴿هَل﴾ يجيء (١) على أربعة أوجه. الأول: بمعنى قد، كقوله تعالى: ﴿هَلْ أَتَى﴾. والثاني: بمعنى الأمر، كقوله تعالى: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾؛ أي: فانتهوا. والثالث: بمعنى الاستفهام، كقوله تعالى: ﴿فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا﴾. والرابع: بمعنى ما النافية، كما في هذه الآية. ونحو الآية قوله: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾.
وعن أنس بن مالك قال: قرأ رسول الله - ﷺ - ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (٦٠)﴾، وقال: "هل تدرون ما قال ربكم؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "ما جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنّة". أخرجه ابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي، وروي عن ابن عباس: هل جزاء من قال: لا إله إلا الله في الدنيا إلا الجنة في الآخرة.
٦١ - ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٦١)﴾ فإن من جملتها الإحسان إليكم في الدنيا والآخرة بالخلق، والرزق، والإرشاد إلى العمل الصالح، والزجر عن العمل الذي لا يرضاه.
٦٢ - ﴿وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (٦٢)﴾ مبتدأ وخبر (٢)؛ أي: ومن دون تينك الجنتين الموعودتين للخائفين المقربين جنتان أخريان لمن دونهم في الدرجة من أصحاب اليمين، فالخائفون قسمان: المقربون، وأصحاب اليمين، وهم دون المقربين بحسب الفضائل العلمية والعملية، ودون بمعنى الأدنى مرتبة ومنزلة، لا بمعنى غير. فالجنتان الأوليان أفضل من الأخريين، كفضل المقربين على الأبرار. وقيل: ليس "دون" من الدناءة، بل من الدنو. وهو القرب؛ أي: ومن دون هاتين الجنتين إلى العرش؛ أي: أقرب إليه منهما، وأرفع منهما؛ أي (٣): من أمامهما ومن قبلهما. وحمل بعض المفسرين ﴿دون﴾ على معنى غير. وقيل الجنتان الأوليان جنة عدن،

(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon