و ﴿قَلِيلًا﴾ نعت لمحذوف، و ﴿مَا﴾ مزيدة لتأكيد القلّة؛ أي: شكرًا قليلًا أو زمانًا قليلًا تشكرون، وقيل: القلّة عبارة عن العدم، قال سعدي المفتي: القلّة بمعنى النفي إن كان الخطاب للكفرة، أو بمعناها المعروف إن كان للكلّ، يقال: قلّما أفعل كذا أي: لا أفعله. قال بعض أهل المعرفة:
لَوْ عشتُ أَلْفَ عَامٍ فِي سَجْدَةٍ لِرَبّي | شُكْرًا لِفَضْلٍ يَوْمٍ لَمْ اقْضِ بِالتَّمَامِ |
والْعَامُ ألْفُ شَهْرٍ وَالشَّهْرُ أَلْفُ يَوْمٍ | وَالْيَومُ ألْفُ حِيْنٍ والْحِيْنُ أَلْفُ عَامِ |
والمعنى (١): قل لهم يا محمد: إنّ ربكم هو الذي برأكم وجعل لكم السمع لتسمعوا به المواعظ، والأبصار لتنظروا بها بدائع صنع الخالق، والأفئدة لتتفكروا في كلّ هذا، وتستفيدوا منه الفوائد العقلية والمادّية.
ثم أبان أنّ الإنسان لنعمة ربّه لكنود، فقال: ﴿قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ أي: قلما تستعملون هذه القوى التي أنعم بها ربكم عليكم في طاعته وامتثال أوامره وترك زواجره، وذلك هو شكرانها.
٢٤ - ثم لخص هذا كله بقوله آمرًا رسوله: ﴿قُلْ﴾ لهم أيّها الرسول ﴿هُوَ﴾ سبحانه وحده الإله ﴿الَّذِي ذَرَأَكُمْ﴾ وخلقكم وكثّركم وبثكم ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ وفرقكم فيها ﴿وَإِلَيْهِ﴾ تعالى لا إلى غيره اشتراكًا أو استقلالًا ﴿تُحْشَرُونَ﴾ حشرًا جسمانيًا، أي: تجمعون وتبعثون للحساب والجزاء شيئًا فشيئًا إلى البرزخ دفعةً واحدة يوم البعث، فابنوا أموركم على ذلك ختم الآية بقوله: ﴿وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾؛ فبين أن جميع الدلائل
(١) المراغي.