القمر ٣ {

بسم الله الرحمن الرحيم


﴿اقتربت الساعة وانشق القمر﴾ وروى أنَّ الكُفَّارَ سألُوا رسولَ الله ﷺ آيةً فانشقَّ القمرُ قالَ ابن عباس رضي الله عنهُمَا انفلقَ فلقتينِ فلقةٌ ذهبتْ وفلقةٌ بقيتْ وقالَ ابنُ مسعودٍ رأيتُ حِراءَ بين فلتقى القمرِ وعنْ عثمانَ بنِ عطاءٍ عنْ أبيهِ أنَّ معناهُ سينشقُّ يومَ القيامةِ ويردُّه قولُه تعالى
﴿وإن يروا آية يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ﴾ فإنَّه ناطقٌ بأنَّه قدْ وقع وأنهم قد شاهدوه بعدَ مُشاهدةِ نظائرِه وقُرِىءَ وقد انشق القمر اقتربتِ الساعةُ وقدُ حصلَ منْ آياتِ اقترابِها أنَّ القَمرَ قدِ انشقَّ ومَعْنى الاستمرارِ الاطرادُ أو الاستحكامُ أيْ وإِنْ يَرَوا آيةً من آياتِ الله يُعرضُوا عنِ التأملِ فيها ليقفُوا على حقِّيتها وعلوِّ طبقتِها ويقولُوا سحرٌ مطردٌ دائمٌ يأت به محمدٌ عَلى مرِّ الزمانِ لا يكادُ يختلفُ بحالٍ كسائرِ أنواعِ السحرِ أو قويٌّ مستحكمٌ لا يمكنُ إزالتُه وقيلَ مستمرٌ ذاهبٌ يزولُ ولا يَبْقى تمنيةً لأنفسِهم وتعليلاً وهو الأنسبُ بغلوِّهِم في العِنادِ والمكابرة ويؤيده ما سيأت لردِّه وقُرِىءَ وإنْ يُرَوا على البناءِ للمفعولِ من الإراءةِ
﴿وكذبوا﴾ أى بالنبي ﷺ وما عاينوه مما أظهر الله تعالَى على يدِه من المعجزاتِ ﴿واتبعوا أَهْوَاءهُمْ﴾ التي زيَّنها الشيطانُ لهم أو كذَّبُوا الآيةَ التي هيَ انشقاقُ القمرِ واتَّبعُوا أهواءَهُم وقالُوا سحرَ القمرَ أو سحرَ أَعْيُننا والقمرُ بحاله وصنيعة الماضِي للدلالةِ على التحققِ وقولُه تعالى ﴿وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ﴾ استئنافٌ مسوقٌ لإقناطِهم عما علقوا به أما نيهم الفارغةَ من عدمِ استقرارِ أمره عليه الصلاة والسلام حسبمَا قالُوا سحرٌ مستمرٌّ ببيانِ ثباتِه ورسوخِه أي وكلُّ أمرٍ من الأمورِ مستقرٌّ أي مُنتهٍ إلى غايةٍ يستقرُّ عليَها لا محالةَ ومن جُملتِها أمرُ النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم فسيصير الى غاية يتيبين عندَهَا حقِّيتُه وعلُّو شأنِه وإبهامُ المستقَرِّ عليهِ للتَّنبيهِ على كمالِ ظُهور الحالِ وعدمِ الحاجةِ إلى التَّصريحِ بهِ وقيلَ المَعْنى كلُّ أمرٍ من أمرِهم وأمرِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مستقرٌّ أي سيثبتُ ويستقرُّ على حالةِ خذلانٍ أو نصرةٍ في الدُّنيا وشقاوةٍ أو سعادةٍ في الآخرةِ وقُرىء بالفتحِ على أنَّه مصدرٌ أو اسمُ مكانٍ أو اسمُ زمانٍ أي ذُو استقرارٍ أو ذُو موضعَ استقرارٍ أو ذُو زمانِ استقرارٍ


الصفحة التالية
Icon