في التشنيع، فقال: ﴿ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠)﴾؛ أي: ثم لعن وعذب بسبب ما قدره واختلقه من الكلام فيه. و ﴿ثمّ﴾ هنا للدلالة على أن الكرة الثانية في التعجيب أبلغ من الأولى؛ أي: للتراخي بحسب الرتبة، وأن اللائق في شأنه ليس إلا هذا القول دعاء عليه، وفيما بعد على أصلها من التراخي الزمانيّ.
٢١ - ﴿ثُمَّ نَظَرَ (٢١)﴾ في أمر القرآن مرة بعد أخرى، وتأمل فيه لعله يجول بخاطره ما يحبون ويصل إلى ما يرجون. وهو معطوف على ﴿فَكَّرَ وَقَدَّرَ﴾، وما بينهما اعتراض. يعني: الدعاء بينهما.
٢٢ - ﴿ثُمَّ عَبَسَ﴾؛ أي: قطب وغير وجهه عبوسة حين ضاقت به الحيل، ولم يجد فيه مطعنًا، ولم يدر ماذا يقول. ثم أكد ما قبله فقال: ﴿وَبَسَرَ﴾؛ أي: كلح واسود وجهه، وزاد في العبوسة. قال سعه. بن عبادة: لمّا أسلمت راغمتني أمي، فكانت تلقاني مرة بالبشر ومرة بالبسر. وإيراد ﴿ثُمَّ﴾ في المعطوفات لبيان أن بين الأفعال المعطوفة تراخيًا. وفي هذا إيماء إلى أنه كان بقلبه صدق محمد - ﷺ -، وكان ينكره عنادًاَ، فإنه لو كان يعتقد صدق ما يقول.. لفرح باستنباط ما استنبط وإدراك ما أدرك، وما ظهرت العبوسة على وجهه.
٢٣ - ﴿ثُمَّ أَدْبَرَ﴾ عن الحق؛ أي: صرف وجهه عن الحق ﴿وَاسْتَكْبَرَ﴾ عن اتباعه؛ أي: رجع القهقرى مستكبرًا عن الانقياد له والإقرار به.
٢٤ - ثم ذكر ما استنبطه من الترهات والأباطيل بقوله: ﴿فَقَالَ﴾ عقيب توليه عن الحق: ﴿إِنْ﴾ نافية بمعنى ما، ولذا أورد ﴿إلّا﴾ بعدها؛ أي: ما ﴿هَذَا﴾ الذي يقوله محمد - ﷺ -. يعني: القرآن ﴿إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾؛ أي: أمور تخييلية لا حقائق لها، يروى ويتعلم وينقل من الغير، وليس هو من سحره بنفسه. قال أبو حيان: ومعنى ﴿إِلَّا سِحْرٌ﴾؛ أي: إلا شبيه بالسحر انتهى. يقال: أثرت الحديث آثره أثرًا إذا حدّثت به عن قوم في آثارهم؛ أي: بعدما ماتوا هذا هو الأصل، ثم كان بمعنى الرواية عمن كان، وحديث مأثور؛ أي: منقول ينقله خلف عن سلف، وأدعية مأثورة؛ أي: مروية عن الأكابر. وفي (١) تعلم السحر لحكمة رخصة، واعتقاد حقِّيتِهِ والعمل به كفر، كما قيل:
عَرَفْتُ الشَّرَّ لا للشَرِّ لَكِنّي لِتَوقِّيهِ | ومَنْ لَمْ يَعْرِفِ الشَّرَّ مِنَ الناسِ يَقَعْ فِيهِ |